تراجع الموشحات في الغناء العراقي

الصفحة الاخيرة 2021/04/20
...

 بغداد : نورا خالد 
تراجع فن الموشحات في السنوات الاخيرة بصورة كبيرة مع تبدل الذائقة الفنية للأجيال الجديدة، فلم نعد نسمع ذلك الغناء الذي اعتدناه منذ الطفولة على شاشات التلفزيون والمذياع، خاصة في شهر رمضان، التقت «الصباح» بعدد من المختصين لمعرفة اهم اسباب هذا التراجع،
فقالت الباحثة الموسيقية ومغنية الموشحات فاطمة الظاهر «تراجع الموشح في العراق وفي كل البلاد العربية قاطبةً، اذ لم يلحن فيه أحد منذ سنوات طويلة، وكل ما يحصل حالياً بخصوص الموشح في البلاد العربية ومنها العراق هو فقط حفظ ذلك التراث الغنائي الكلاسيكي». 
عازية اسباب تراجعه الى «تغير ذائقة الجمهور بتغير الازمان وبتنوع الاستماع، فما كان يسمعه أجدادنا وآباؤنا قبل 80 او 60 سنة من الغناء محدود من خلال وسائل الاعلام المحصورة بالراديو او التلفزيون، أما الان فالعالم كله مفتوح على بعض، وبالتأكيد تتغير الأذواق من خلال الاستماع المنوع لموسيقى وغناء الشعوب حول العالم».
واضافت الظاهر «يعد الموشح الغنائي من الأعمال الغنائية الصعبة بسبب اللغة المستعملة فيه، فهي خليط من اللغة العربية الفصحى والعامية المشذبة، ثم الايقاعات الداخلة فيه غالباً ما تكون من النوع الثقيل وهي لا تستخدم حالياً في الغناء، وكذلك المطرب فهو يحتاج الى المران والتدريب المكثف لكي يتمكن من غنائه». 
ولم تغفل فاطمة الظاهر عن السبب الرئيس وراء تراجع الموشحات وهو «قلة رعاية الدولة والمؤسسات الفنية لمثل هذه الالوان الغنائية، فبسبب قدم هذا الغناء وصعوبة ارتجاله، لا بد من قيام الدولة والمؤسسات الفنية برعاية هذا الفن من خلال تدريسه في الكليات والمعاهد الفنية، وتبني الدولة فرقا انشادية لتمرين المنشدين على غنائه، كما كانت ( فرقة الانشاد العراقية) في السبعينيات، وكذلك العمل على نشره من خلال وسائل الاعلام ( الاذاعة والتلفزيون) لتحسين ذائقة الناس». 
ويتفق الباحث الموسيقي حيدر شاكر مع الظاهر بأن «تبدل الذائقة منذ تسعينيات القرن الماضي وراء اختفاء هذا اللون العريق من الغناء العربي»، مشيرا الى ان «ظهور تلفزيون واذاعة الشباب غير نمط الغناء العراقي عموما، وبدأت القنوات والاذاعات لا تبث ولا تعرض غناء الموشح بعد ان كان الاهتمام بهذا اللون كبيرا، و تتذوقه جميع الاجيال، كما ان فرقة الانشاد التي كانت تؤدي هذا النوع من الغناء تلاشت في العقد التسعيني وحتى بعد اعادتها بالعام 2005 كانت تقدم الموشحات من خلال مهرجانات عدة اقامتها الدائرة، ولكن انحسار هذه الفعاليات لسبب او لآخر اثر في هذا الفن». 
تختلف الموشحات عن القصائد بتنوع الأوزان والقوافي وعادة ما تكون خليطاً بين الفصحى والعامية، وفي إشارة لاختلاف الموشح عن القصائد وصفه الشاعر ابن سناء الملك بأنه كلام منظوم على وزن مخصوص.  
الموسيقار ابراهيم السيد اشار في حديثه لـ «الصباح» الى أن «رفع درس الموشح من المعاهد الموسيقية العراقية بعد أن كان يدرس فيها كاحدى المواد المهمة، من الاسباب التي ادت الى تقهقر هذا اللون»، وتابع السيد «يجعل درس الموشح طالب الموسيقى يتعرف على الموازين الايقاعية العربية والموازين الثقيلة والتي ليست لكل شخص القدرة على اجادتها، فهذه الايقاعات تستخدم فقط في الموشح وهي ما يطلق عليها الايقاعات العرجاء (سماعي ثقيل)، (النوخت )، (الدور الهندي) وهي الان مفقودة في معاهدنا العراقية، لكنها موجودة وتدرس في المعاهد العربية في مصر والجزائر وتونس وحتى في الاردن وسوريا باستثناء العراق الذي غاب عنه هذا الدرس»، وتساءل السيد في ختام حديثه «هل الذائقة تغيرت ام الاساتذة الذين يدرسون هذه المادة ليسوا بالكفاءة الكافية كي يستطيعوا ايصال المادة
 للطالب؟».  
نشأ فن الموشحات في الأندلس في القرن التاسع الميلادي تقريبًا، عندما ازدهرت الموسيقى وشاع الغناء في تلك البقعة وفي ذلك الوقت من جانب، ومن جانب آخر لاحتكاك العرب بالإسبان، لذلك كانت نشأة فن الموشحات استجابة لحاجة فنية من جهة، ونتيجة لظاهرة اجتماعية من جهة ثانية، فأما كون نشأته استجابة لحاجة فنية، فذلك بسبب تعلق الأندلسيين بالغناء، وولعهم بالموسيقى، وأما نشأته نتيجة ظاهرة اجتماعية، فبسبب امتزاج العرب بالإسبان، وتشكيلهم شعبًا واحدًا، ما أنتج بينهم اللهجة العامية اللاتينية، واللهجة العاميّة العربيّة، فكلّ ذلك كان سببًا في ظهور فن
الموشحات.