مشروع «قناة الجيش» الحلم الذي تحوّل إلى كابوس

العراق 2021/04/21
...

 بغداد: هدى العزاوي
 
تزامن قبل أيام مرور 10 سنوات على وضع الحجر الأساس لمشروع تأهيل وتطوير “قناة الجيش” في العاصمة بغداد، وبرغم أنه كان يفترض اكتماله في سنة 2013، إلا أن المشروع الذي يعد من أكبر مشاريع “أمانة بغداد” بات كابوساً اليوم، بعد أن كان حلماً لأهالي الرصافة الذين تأملوا أن يكون متنفساً ترفيهياً سياحياً لهم ولأطفالهم وأسرهم، فالمشروع الذي أغدقت عليه الدولة نحو مئتي مليار دينار، بات عبارة عن مكب للنفايات والأنقاض ومأوى للكلاب السائبة وطريق مظلم “يسوء الناظرين” وينقبض القلب من رؤيته أو المرور به.
برغم ملفات الفساد التي أزكمت الأنوف والنهب المنظم لأموال البلاد عبر عدة سنوات، إلا أن مشروع “قناة الجيش” يعد الأبرز في العاصمة بغداد، لا من حيث قيمة الأموال المنفقة عليه أو طول المدة بعدم إنجازه، ولكن بسبب مساحة المشروع وتأثيره النفسي والبيئي والاجتماعي بل والأمني في حياة سكان رصافة بغداد الذين يشكلون قرابة
70 % أو أكثر من سكان العاصمة.
في الـ 15  من كانون الثاني الماضي، أكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال زيارة قام بها إلى “قناة الجيش”، أن أسباب عدم إنجاز المشروع تعود إلى الهدر في المال العام وسوء الإدارة التي رافقته منذ انطلاقه وحتى الساعة.
 
الملف الكارثي
تفتح «الصباح» مع عضو لجنة الخدمات النيابية النائب علي الحميداوي، ملف «قناة الجيش» وما رافقه منذ البدء من شبهات فساد وإهمال، وقد أوضح النائب، أن « إنشاء قناة الجيش وكذلك قناة الشرطة، كان لغرض تصريف مياه الأمطار، لأن بغداد كانت تتعرض الى الفيضانات في موسم الأمطار، وتغرق مناطق الرصافة حين يفيض نهرا ديالى ودجلة، لذا صممت هاتان القناتان لهذا الغرض، ثم حول النظام البائد قناة الجيش الى قناة للصرف الصحي وكانت سبباً في التلوث البيئي والصحي للمناطق المطلة على القناة».
وأضاف، أنه «بعد عام 2003، ارتأت أمانة بغداد تحويل القناة الى مرفق سياحي، والغاء مسألة الصرف الصحي، ما أدى الى بروز مشكلات وفيضانات في الكثير من المناطق القريبة من قناة الجيش نتيحة عدم وجود مكان لتصريف المياه»، مبيناً أن «المشكلة مازالت قائمة منذ عام 2011، إذ لا توجد إرادة حقيقية لاستكمال المشروع، وبلغت الخسارة التي تكبدتها الدولة 164 مليار دينار عراقي». 
وأثار الحميداوي مسألة في غاية الأهمية ترتبط بالمشروع، بقوله: “فليسأل المهتمون (من هو المشرف الاستشاري على مشروع قناة الجيش؟!)”، وهو ما شكّل صدمة عند تصريح النائب باسمه.
الأمانة لا ترد
قامت «الصباح» بجولة في أمانة بغداد للبحث عن حقيقة المعلومات التي أدلى بها النائب الحميداوي، وعلل وكيل الشؤون البلدية عمار موسى عند لقائه عدم الرد بـ»أنه غير مخول بالتصريح وأن هذا الموضوع ليس من مهامه»، لننتقل إلى الوكيل الإداري في الأمانة صبار المساري الذي أعرب عن أسفه وعدم تمكنه من الإدلاء بأي تصريح بهذا الشأن، لنتجه بعدها إلى المتحدث باسم أمانة بغداد الذي أكد بعد تلك الجولة أن «الموضوع لم يحسم»، وتبقى التساؤلات مشرعة الأبواب لرد «الأمانة». 
وبالعودة إلى المخالفات التي رافقت عقد المشروع، يقول النائب علي الحميداوي: إنه “عند متابعة سير العقد الخاص بمشروع تطوير قناة الجيش، نجد أن أمانة بغداد أدرجت المشروع ضمن المشاريع التي سيجري تطويرها تزامناً مع (انعقاد القمة العربية ببغداد) ضمن قرار مجلس الوزراء المرقم 302 لسنة 2010”، موضحاً أن “القرار المذكور حدد المناطق المشمولة بهذه الخطط، أي خطط دعم وإسناد أمانة بغداد، والمناطق هي (السعدون، الجمهورية، أبو نؤاس، الكرادة خارج، الكرادة داخل) حصراً ولم يذكر بها قناة الجيش، وإدراج المشروع من قبل الأمانة مخالفة قانونية واضحة”، ونتساءل: هل كانت قناة الجيش تقع ضمن مسار وجولات الوفود المشاركة في القمة العربية حتى يجري إدراجها ضمن قرار مجلس الوزراء!!.
ويمضي النائب بالقول: إنه “تم تخويل أمين بغداد صلاحية التعاقد المباشر مع الشركات المختصة الأجنبية لتنفيذ الأعمال ضمن خطة دعم وإسناد أمانة بغداد المصادق عليها بقرار مجلس الوزراء المرقم 302 لسنة 2010 وخطة مؤتمر القمة في إشراك قناة الجيش للتأهيل مع الشوارع الرئيسة الخمسة (المذكورة آنفاً) على الرغم من قرب موعد افتتاح مؤتمر القمة آنذاك، وبالتالي فان إكمال المشروع لا يصب في صالح أهداف مجلس الوزراء وهي إظهار بغداد وشوارعها الرئيسة أمام زوار مؤتمر القمة”.
من بين الخروقات القانونية التي رافقت مشروع قناة الجيش، أن أمانة بغداد قامت بإحالته الى التنفيذ  من دون إعداد مسبق أو مخاطبة وزارة التخطيط لغرض المصادقة عليه والتي هي من المتطلبات الأساسية الواجبة استكمالها قبل إعداد وثائق المناقصة، بالاضافة الى عدم قيام الأمانة بإعداد كلفة تخمينة للمشروع، رغم أهميتها في تحديد الأموال اللازمة للتنفيذ ولاستخدامها كمؤشر للجهات الرقابية المالية.
 
الشركتان المنفذتان
في سنة 2011 أحالت أمانة بغداد مشروع قناة الجيش إلى شركتي «الغري» العراقية و»المقاولون العرب» المصرية، لتبدأ مأساة المشروع المنهوب، ففي 17/7/2011 قدمت الشركة المصرية المستمسكات الخاصة بها، أي بعد ما يقارب الخمسة أشهر على توقيع العقد في 20/2/2011، و17 يوماً على المباشرة بالعمل في 1/6/2011.
تم منح الشركتين سلفة نقدية أولية بمقدار 30 % من مبلغ الإحالة (51 مليار دينار عراقي) على أصل الطلب المقدم من قبل الشركتين، وهذا يشير الى محدودية الشركتين وعدم توفر الآليات والإمكانيات المالية اللازمة، حيث طلبت الأموال لشراء المركبات الجديدة لتأمين تنفيذ العمل.
ويشير الحميداوي إلى “عدم حرص أمانة بغداد على سرية المعلومات الخاصة بمشاريعها، خلافاً للتعليمات المذكورة المرسلة من قبل ديون الرقابة المالية الى أمين بغداد، والتي تفيد بعدم صرف السلفة النقدية الأولية إلا في أضيق الحدود وللأعمال التي تتطلب طرح مواد بنسبة 10بالمئة، وأن يتم اعتماد صرف أقيام العقود”، وتم صرف هذه السلفة وتنظيم صك بذلك بتاريخ 13/3/2011، أي قبل 3 أشهر من المباشرة، وهذا يؤكد، بحسب الحميداوي، أن “الشركة ليست لديها أموال للشروع   بالعمل”.
مخالفات ونصوص
لوحظ توقيع العقد مع شركتي «المقاولون العرب» و»الغري» بينما أوصت لجنة الإحالات الرئيسة ولجنة الدراسة والتحليل بإحالة العمل الى شركة «المقاولون العرب» حصراً، وكذلك تفويض «المقاولون العرب» لشركة «الغري» بالتوقيع نيابة عنها،  من دون وجود مصادقة بذلك من قبل السفارة العراقية في مصر ووزارة الخارجية، وكذلك عدم تصديق عقد الشركة من أي مؤسسة قانونية، اذ أن توقيع العقد كان من قبل (حيدر عصام كريم الأسدي) صاحب شركة «الغري» بالرغم من أن الكتب الصادرة من «المقاولون» بأن (صباح الحسني) هو ممثل الشركة، وهذا مخالف للفقرة 4 من عقد الشراكة والتي تنص على أنه «لا يعتبر أي طرف وكيلاً عن الطرف الثاني لأي غرض
كان».
ويقول النائب الحميداوي: إنه «من خلال متابعة الكتب الصادرة، لوحظ أن نسب الإنجاز المالي والفني للمشروع لغاية 2/ 4 /2012 (صفر%) و(16 %) على التوالي استناداً الى كتاب دائرة المهندس المقيم المرقم 1212 في 2/4/2012، رغم أن المباشرة بالعمل كانت في 1/6/2011»، ويوضح «مع أن المشروع هو ضمن مشاريع خطة دعم وإسناد أمانة بغداد لاستضافة مؤتمر القمة العربية والذي عقد بتاريخ 29/3/2012، إلا أن أمانة بغداد لم تقم باتخاذ الاجراءات القانونية بحق الشركتين وسحب العمل منهما استناداً للفقرة 7 من العقد والتي تنص على (في حالة تلكوء أو امتناع الطرف الثاني (الشركتين) عن التنفيذ فمن حق الطرف الأول (أمانة بغداد) سحب العمل وتنفيذه على حساب الطرف الثاني  من دون اللجوء الى المحاكم بعد إنذاره بضرورة التنفيذ خلال مدة 14
يوماً».
لقد استفادت أمانة بغداد من موضوع عقد مؤتمر القمة العربية واستغلت الصلاحيات المخولة لقرار 302 و374 لسنة 2010 بإسناد الإمانة بتطوير الشوارع الرئيسة حصرياً، لكنها قامت بإضافة قناة الجيش للتأهيل، وهو مشروع لا يفيد المؤتمر بشيء، وإنما هو «باب للفساد»، بحسب تعبير الحميداوي.
من الخروقات القانونية التي وقعت فيها أمانة بغداد في عقد تنفيذ مشروع قناة الجيش، أن شركتي «المقاولون العرب» و»الغري» لصاحبها (حيدر عصام كريم الأسدي) لم تقدما المستمسكات القانونية الأصولية لشروط العقد المتبعة لغاية تاريخ توقيع العقد، وكذلك عدم تناسب رأسمال شركة «الغري» مع حجم العمل، حيث بلغ رأسمالها 400 ألف دينار أردني، أي قرابة 660 مليون دينار عراقي من مبلغ الإحالة ، أضف إلى أن الشركة حديثة العهد وتشير حساباتها الختامية إلى تحقيق خسائر في نتائج 
نشاطها.
 
كلفة بملايين الدولارات
بلغت الكلفة التعاقدية لإحالة مشروع قناة الجيش من قبل أمانة بغداد أكثر من 146 مليون دولار، بينما لم تقم الأمانة بإعادة الكلفة التخمينية للمشروع قبل الإحالة وكما مؤشر في كتابها المرقم 45409 في 25/9/2011، بل اعتمدت أمانة بغداد أسعار المقاول لـ9 فقرات بغرض إدخالها لتحديد الكلفة التخمينية للمشروع عند تقديم البيانات والمخططات الخاصة به لعدم معرفتها بتلك 
الأسعار. 
يؤكد الحميداوي، أن “أمانة بغداد، أحالت مشروع تأهيل وتطوير قناة الجيش، وهي لا تمتلك أدنى تصور عنه، وليس لديها تصاميم أو دراسة فنية أو جدوى اقتصادية ولا حتى الكلفة التخمينية، وإنما كان هناك اتفاق مسبق بأن تقوم الشركة المنفذة بوضع الأسعار الخاصة 
بالفقرات”.
وأضاف، أن “شركة (المقاولون العرب) ليس لها أي دور في المشروع، وإنما هي موجودة بالاسم فقط، وأن شركة (الغري) وصاحبها (حيدر عصام الأسدي) ليست شركة للمقاولات بل أنها شركة للاستثمارات ومتابعة المقاولات والتخليص الجمركي وتسهيل الاستيراد والتصدير، لذلك فإن تنفيذ مشروع قناة الجيش كان لصالح (حيدر الاسدي) فقط”.
مع جميع الخسائر المادية الفادحة التي حملتها أمانة بغداد لخزينة الدولة بسبب كارثية هذا المشروع، فإن الأمانة تحملت أيضاً دفع مبلغ 3 مليارات دينار عن الخدمات الاستشارية لمكتب (ديوان العمارة) بسبب التأخير في التنفيذ والتي كان سببها الشركة المنفذة للمشروع، وخاصة للفترة من 1/6/2012 ولغاية 31/11/2013 والتي كانت نسبة الانجاز فيها
64 %، بينما لم تتخذ أمانة بغداد أي إجراءات قانونية بحق الشركة أو المقاول “نتيجة للمجاملات والمنافع الشخصية على حساب الحق العام”، بحسب النائب علي الحميداوي الذي دعا رئيس الوزراء الى “معالجة وإكمال مشروع قناة الجيش عبر الجهد المحلي الحكومي وعبر آليات أمانة بغداد 
وكوادرها”.
 
قناة الزعيم
تعد قناة الجيش مشروع ممر مائي صناعي في شمالي بغداد، تم افتتاحها في عهد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم عام 1961، وتبدأ من شرق دجلة بين منطقة سبع أبكار ومحلة السيفية، وتُسمّى بدايتها صدر القناة، تُضخّ وتجري من هناك متجهةً نحو شرق بغداد ثم إلى جنوبها حيث تصبّ في نهر ديالى في منطقة الرستمية.
وفي حزيران عام 2011، أحالت أمانة بغداد تطوير قناة الجيش الى شركتي “المقاولون العرب” المصرية، و”الغري” العراقية بكلفة 146 مليون دولار ضمن خطة لتطوير العاصمة
بغداد.
وباشرت الشركتان بالمشروع، الذي يمتد على طول يتجاوز 23 كيلومترا، بدءا من كري القناة، وغلق المياه الآسنة التي كانت تصب فيها، فضلاً عن إكساء القنوات البالغ طولها 47 كلم (ذهاباً وإياباً) بالحجر وإنشاء مساحات خضراء على جانبيها، وكان من المقرر إنجاز المشروع في عام 2013، إلا أن المشروع مرت عليه 10 سنوات وهو ما زال يؤرق الدولة العراقية بل وبات مضرباً لأمثلة الفساد المستشرية فيها.
ومن المضحكات المبكيات في هذا الملف، أن عقد مشروع قناة الجيش يتضمن إقامة 21 موقفاً للسيارات و12 نفقاً و16 ملعباً للأطفال واللياقة البدنية و4 مسابح مع ملحقاتها كافة و4 مسارح صيفية، و11 مطعماً صغيراً و40 كشكاً، ونصب 4700 مصطبة للجلوس، وزراعة أعداد كبيرة من الأشجار التي تتحمل حرارة الجو، فضلاً عن منظومات ري حديثة تعمل بالتنقيط وغيرها.
بل أن متحدثا سابقا باسم أمانة بغداد قال في سنة 2014 أنه ستجري زراعة “أكثر من 17 ألف شجرة كبيرة ومستوردة و3500 نخلة عراقية ومليون وخمسمئة متر مربع من الثيل، حيث ستكون المساحات الخضراء الأجمل والأروع في بغداد”!!؟، وتحقق كل ذلك في 2021: حيث الخراب والآليات المتروكة والأشجار الميتة والمياه وتحول أجزاء كبيرة من مشروع قناة الجيش لرمي مخلفات البناء، فإلى متى الصمت إزاء هذا الملف 
الفاسد؟.