شرابي والنقد الحضاري

الصفحة الاخيرة 2021/04/23
...

جواد علي كسار
بعد هزيمة حزيران 1967م، أصدر هشام شرابي عمله المهم «المثقفون العرب والغرب» (الطبعة الانكليزية الأولى عام 1970م، والعربية عام 1971م)، محتوى الكتاب وإن بدا أكاديمياً بحكم كونه قُدّم بالأساس إلى أكثر من مؤسسة غربية، بيدَ إنك تلمس في مقدمته معاناة واضحة، اذ كتب: «كتبتُ الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب في أيام حزيران السوداء، وكان لديّ آنذاك، كما كان لزملائي وإخواني الأساتذة الطلبة العرب في أميركا، اختيار واحد: إما الاستسلام إلى اليأس والضياع، أو الاستمرار، وكان مجرّد الاستمرار في العمل نوعاً من الانتصار».
عن الممارسة الثقافية وجدواها كتب بشكل مبكر في المقدّمة ذاتها: «عندنا حياة مهدورة وتدور في فراغ». 
وفي عام 1988م طالعنا بكتابه «الجمر والرماد: ذكريات مثقف عربي»، وصف شرابي مهمّته فيه، بقوله: «عالجتُ فيه من ناحية ذاتية الأزمة الفكرية والسياسية التي عاناها الجيل المثقف الذي انتميتُ إليه في مرحلة بداية عهد الاستقلال».
في المسار الفكري نفسه أصدر عام 1990م كتابه «النقد الحضاري للمجتمع العربي في نهاية القرن العشرين»، الذي أكد فيه ما كان قد أعلنه عام 1987م في كتابه «البنية البطريكية: بحث في المجتمع العربي المعاصر»، من استغلاق أزمة الفكر الإصلاحي السائد، سواء أكان علمانياً أم قومياً أم يسارياً، ثمّ حكم على اتجاه الحركة النقدية العلمانية الجديدة المتمثلة كما يرى، بأعمال الكاتب المغربي محمد عابد الجابري، والجزائري المقيم في فرنسا محمد آركون والمغربيين عبد الله العروي وعبد الكريم الخطيبي والسوري أدونيس والمصري سعد الدين إبراهيم وغيرهم، بـ «الغُربة» ليس في النسب والانتماء الديني، وإنما في اللغة والتفكير «إنهم غرباء تبعاً لثقافتهم وحضارتهم، في طرق تفكيرهم وكلامهم وكتاباتهم المتمايزة».
كخلاصة: «إن لغة النقّاد الجُدد من صادق العظم ومحمد آركون إلى عبد الكبير الخطيبي ومحمد بنيس، لهي بالتالي غريبة بمعناها الحرّ وفي مدلولها المجازي على السواء»، كما يقرّر شرابي ذلك في فقرة «غرابة الخطاب النقدي الجديد».
إذن، كان كتاب «النقد الحضاري للمجتمع العربي» تأكيداً من نوع جديد لما كان شرابي قد استخلصه في كتابه السابق «البنية البطريكية»، اذ سجّل فيه بالنص: «لقد كشفت معاناتنا في العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة عن عقم الايدولوجيات المتحجّرة وعجز الأحزاب والقيادات «الثورية» عن إحداث التغيير المطلوب». 
يكشف هذا المسار الفكري كما أشرنا قبل لحظة، عن معاناة تحاول أن تصل المثقف بمسؤوليته الاجتماعية، والعمل الثقافي بالواقع المعيش.