جريمة بالأوكسجين

الصفحة الاخيرة 2021/04/25
...

عبد الهادي مهودر
هي منذ البدء حالة حرب حقيقية مع عدو شرس وبأدوات وبنى تحتية اتعبتها السنين وواقع صحي معقد وتحديات صعبة، كانت ليلة أمس الأول حزينة وكئيبة بلون ورائحة الدخان المتصاعد من مستشفى ابن الخطيب المخصص لعزل المصابين بفيروس كورونا، فجأة تفجرت قناني الحياة وتحولت الى قنابل موت ضاعفت المعاناة وعمقت الجروح الغائرة في أجسادهم الضعيفة التي كانت معلقة بين الحياة والموت، وكان الحريق والدخان أسرع وفقدنا ارواحاً بريئة، أما مشهد التدافع العشوائي فلا يقل إيلاما عن الفاجعة، فقد تناقلت وسائل الاعلام المحلية والعالمية صوراً حية يظهر فيها شباب هرعوا من المناطق المجاورة في جسر ديالى والزعفرانية حفاةً عراة بغيرتهم العراقية يحاولون انقاذ ما يمكن انقاذه قبل أن تصل فرق الدفاع المدني واستمروا لساعات متواصلة في نقل المصابين، وبعض الجهود تواصلت حتى مطلع الفجر تحسباً لاحتمالات نشوب النيران مرةً اخرى، هذا المشهد العراقي في الانقاذ والاسعاف والإطفاء بطريقة الفزعة وإن كان لا بديل عنه في أول الأمر إلا انه لا يحدث في البلدان الأخرى التي تطوق أجهزتها الأمنية أماكن الحوادث وتبعد المدنيين عن الخطر والتدخل، وهي في الحقيقة صور لا تسر الناظرين، لكنها مزيج من الفزعة العراقية والفوضى العراقية التي اعتدناها منذ عقود مع انعدام وسائل الأمان وعدم وجود منظومات حديثة للمعالجة الفورية والتلقائية للحرائق في معظم مرافقنا الحيوية، ولا نغمط جهود فرق الدفاع المدني فليس بالامكان أفضل مما كان، ولعل الضرر النفسي كان أشد على الملاكات الطبية والصحية الذين بذلوا طيلة اكثر من عام جهوداً جبارة لا يعلم مشقتها إلا الله، ودفاعاً عنهم نقول ان واقع المستشفيات ليس مثالياً بالمطلق ومثل هذه الحوادث قد تتكرر لا قدر الله، وهذه المستشفيات العاملة في المدن والاقضية والنواحي تنوء بأحمال ثقيلة تتجاوز امكانياتها البشرية والمادية وقدراتها الاستيعابية وتتعرض لضغوط متنوعة لا حصر لها، وهي مع ذلك مستمرة بتقديم الخدمات بفضل اداراتها وملاكاتها الطبية والصحية الحريصة على حفظ الأمانة وأداء الواجب وبصبرها الذي تخطى الحدود. في إعلانه الحداد على الضحايا فجر يوم أمس الأحد لخّص رئيس الحكومة الفاجعة: (هي نكسة بكل ما للكلمة من معنى ومس بالأمن القومي العراقي، والاهمال في مثل هذه الأمور ليس مجرد خطأ، بل جريمة يجب أن يتحمل مسؤوليتها جميع المقصرين).