فيلم {هناك أجمل}.. مقاربة ميديولوجية

ثقافة 2021/04/28
...

  د.بشار عليوي
إن الوسائط بجميع أنواعها وصورها قد أصبحت مُتاحة وبشكل واسع ولجميع الاستخدامات المعرفية من قبل أفراد المجتمعات البشرية بوصفها إحدى تمظهرات الحضارة الإنسانية المعاصرة، وهذا ما عنيت بهِ "الميديولوجيا" التي أظهرت أهمية وجود الوسائط (ومنها Animation) في عصرنا الحالي وإبراز أهميتها بوصفها محددات موضوعية للفكر الاجتماعي الإنساني، فقد وجدت الوسائطية اهتماماً واضحاً في العصر الحالي من قبل غالبية الفنانين ومنهم السينمائيون في شتى أنحاء العالم لناحية استخداماتها بعدما عَرَفَت السينما خلال مراحلها التاريخية محاولات عديدة للدمج بين الفضاء الصوري والأحداث التي تسردها من جهة، وبين المتلقين من جهةٍ أخرى؛ من أجل تحقيق الغرض الذي قامَت من أجلهِ.
 
تعددت تمظهرات الميديولوجيا، المتجسدة في الصناعة السينمائية المعاصرة، ولعل Animation يُعد في طليعة تلكَ التمظهرات المعروفة، اذ استطاع وسيط Animation بوصفهِ صورة ان يكون لغةً عالميةً مفهومة وأكثر عقلنة عند الانسان لناحية ما يتمتع بهِ من جماليات وقدرة على التحول وفقاً لعوالم خيالية تحكم تقانتهِ تستطيع تغيير آلية تلقي الفيلم عند المتلقي وفهمهِ لطبيعتهِ في العصر الحالي، فقد استخدمت تمظهرات الميديولوجيا المتجسدة برسوم Animation في السينما كاتجاه مُستقل بذاتهِ بتوصيف "سينما Animation"، للتعبير عن صور مُتعددة وتحولات فرجوية لم تكن للتقنية السينمائية المعهودة أن تعبر عنها بذات المعطى الفكري والجمالي، حينما استطاعت تلكَ التمظهرات المتمثلة برسوم Animation، تحويل خطاب الفيلم إلى قوة مادية مُجسدة يتلمسها المتلقي عبر البصر، وبذلك فقد اعتمدت الصناعة السينمائية على استثمار تمظهرات الميديولوجيا بجميع أنساقها، في تطوير الصورة المشهدية للسينما المعاصرة.
لقد تطورت سينما Animation بشكل لافت، في عموم العالم، مُتجاوزةً وظيفتها المعروفة كسينما توجيهية ذات منحى تربوي وترفيهي للأطفال بشكل خاص، وأصبحت تلكَ السينما مُنافسة للصناعة السينمائية التقليدية لا بَل إنها تجاوزتها في أحيان عديدة، لتصبح أفلام Animation مُنافسة على صعيد شباك التذاكر، 
بما وفره فن Animation من خيارات مُتعددة تكون مُتاحة أمام صانعي تلكَ الأفلام حينما يتم توظيف الرسوم المتحركة والصوت والفيديو بكيفية مُندمجة ومتكاملة من خلال وسيط، وذلكَ لتقديم رسالة تواصلية فعالة قادرة على تلبية حاجات المتلقي وتكيفه مع قدراتهِ الإداركية، ومعَ كل ما تقدم ينبغي علينا الاعتراف بأن صناعة سينما Animation في العراق، ما زالَت في بواكيرها الأولى من خلال عدد من التجارب التي قدمها بعض المسرحيين العراقيين الشباب وهي تجارب لها سبق الريادة في هذا المجال، والفضل في التعريف بـ Animation في داخل الوسط السينمائي العراقي، ومنها تجربة فيلم "هناك أجمل" للمخرج السينمائي 
حسنين الهاني، من انتاج عام 2020 وهو فيلم قصير في 12 دقيقة والذي شاركَ مؤخراً في عدد من المهرجانات السينمائية داخل وخارج العراق، آخرها مهرجان بابل  لسينما الأنيميشن، "هناكَ أجمل" يتخذ من وسيط الرسوم المتحركة الثلاثية الأبعاد  Animation سمتاً جمالياً في إعادة تشكيل الخطاب الفكري للفيلم والمتمحور حولَ ماهية "العودة الى الأصول" تلكَ الثيمة التي لطالما انطلق منها عديد الفنانين والأدباء والكتاب في إنتاج مُخرجاتهم الإبداعية، ومازالت بوصفها تشكل نسقاً نوستالوجياً يُناغي المخيال الجمعي 
للأفراد. 
على مُستوى البناء الوسائطي للفيلم، نجد أن المخرج عمدَ الى رسم شخوص فيلمهِ بشكل تجريدي مُحاولةً منه في اعتماد الوساطة Mediation للتماهي مع ماهية الشخصية الرئيسة (الانسان/ الآخر)، ينفتح الفيلم على ولادة هذا الانسان/ الآخر بشكلها الفطري المتأتية من الطبيعة/ رحم الأم الأول، وسُرعان ما يلفت انتباهه جَلَبة وأصوات غربان دالةً على وجود مقبرة لدفن الأحياء الأموات، ليبدأ رحلة العذاب والموت والقهر والاستلاب الداخلي والخارجي بفعل الكوارث والحروب والاقتتال الذي لا يُراد 
له أن ينتهي بين بني الانسان أنفسهم، ومعَ هذهِ الصورة الوسائطية التي لجأ إليها المخرج في التعبير عن حياة الانسان بشكل عام وفي كل الظروف، إذ ليست له قدرة الاختيار فهو يعيش ويموت من دون ان يختار شكل حياته من خلال وسيط Animation بوصفه وسيطاً أكثر عقلنة عند المتلقي، وهذا متأتٍّ من الشعور بجمعية الحياة التشاركية بين جميع أفراد المجتمعات البشرية والإحساس بالطبيعة الاجتماعية للحياة الإنسانية التي غلبَ عليها طابع الدم والحرب والدمار؛ لذا وفي ردة فعل احتجاجي على 
كل ما شاهده وعاشه، يختار هذا الانسان/ الآخر العودةً الى أصولهِ عبر غلق منبع الولادة والرحيل عن هذا الواقع الى مكان (آخر) أجمل مُغاير كدلالة على رفض جميع أشكال الظلم وتجسيد لتمظهرات الميديولوجيا 
"وسيط Animation" في هذا الفيلم، فاستخدام هذهِ الصور المتلاحقة داخل المتن السردي للفيلم بوصفها وسيطاً قد تكونت من عناصر ثلاثية الأبعاد باستخدام الرسوم المتحركة (Animation) وهوَ ما سعى إليهِ "حسنين الهاني" في 
(هناك أجمل).