القرآن والتأويل

الصفحة الاخيرة 2021/05/01
...

جواد علي كسار
حوّل الاستعمال المعاصر التأويل إلى نظرية في التفسير وقراءة النص القرآني بما يجعله مسرحاً لقراءات متعدّدة، بغرض وصل النص بالواقع، وإقامة تفاعل بين الاثنين.
من أجل تحقيق هاتين الغايتين؛ فتح النص القرآني لقراءات متعدّدة وإقامة جسر بين النص والواقع، وبرزت اجتهادات متعدّدة في التأويل تجافى بعضها عن المعنيين اللغوي والاصطلاحي، بينما سعى بعضها الآخر للتأسيس على مفادهما.
إن الاتجاهات التي أخذت من التأويل مَرْكَباً لإنجاز القراءة العصرية والانفتاح على الواقع المُعاش، رأت فيه ممارسة ذهنية وحركة نظر عقلي لإدراك ما وراء الظواهر التي ينهض بها التفسير، وبذلك فإن التأويل لدى هؤلاء مرحلة تلي التفسير، وتكوّن في الآن نفسه نظرية في التفسير تختلف عن التفسير بمعناه التقليدي المأثور.
في الاتجاه المعاصر نفسه هناك قراءات متعدّدة تنتسب بأجمعها إلى التأويل، فلدى واحد من هؤلاء يغدو النص في إطار الممارسة التأويلية: «دلالة لا تحصر ومعنى لا يضبط، وإذن فمن الصعب القرار على تفسير واحد أو تأويل وحيد الجانب».
وهو لدى آخر حركة من المعنى اللفظي التاريخي إلى المغزى المعاصر، فللنص القرآني وفق هذه الأطروحة معنى ومغزى، والمغزى يُصاب بتوسط مبدأ التأويل ومن خلاله، يكتب: «إن المعنى ذو طابع تاريخي... والمغزى ـ وإن كان لا ينفك عن المعنى بل يلامسه وينطلق منه ـ ذو طابع معاصر، بمعنى أنه محصلة لقراءة عصر غير عصر النص».
ثَمَّ نمط ثالث داخل القراءة المعاصرة، يرى في التأويل أداة لدمج النص القرآني بالواقع المُعاش، ومن ثمَّ يتحوّل التأويل إلى وسيلة لتحقيق المعاصرة القرآنية، بل يبلغ حماس التطرّف والانحياز إلى الواقع لدى صاحب هذه القراءة، حدّاً يجعله يفرّغ النص من أي مضمون ثابت ليدعه يكتسب مضمونه، الذي يمتلئ به من خلال عصره وعبر عملية التأويل، يكتب: «إن النص مجرّد صورة عامة تحتاج إلى مضمون يملأها، وهذا المضمون بطبيعته قالب فارغ يمكن ملؤه من حاجات العصر ومقتضياته». ولكن كيف يتم ذلك؟ يتم من خلال التأويل، «فالتأويل ضرورة للنص»، والتأويل يحقّق ذلك لأنه ما هو إلاّ : «وضع مضمون معاصر للنص».
على هذا الأساس ازدهرت اتجاهات في الاستخدام المعاصر راحت تنادي بتحويل التأويل إلى نظرية، وإلى منهج فكري محدّد ليس في التعاطي مع القرآن الكريم، بل أيضاً لتأسيس منهج فلسفي أصيل، لأن التأويل وإن بدا «من خلال الحضارة العربية الإسلامية طريقة عامة لفهم القرآن» إلاّ أنه يمكن أن يتحوّل بتشييد أسسه إلى منهج عام للنظر، والتأويل النظري باعتباره عملية فكرية هو من أمور العقل المحض: «أن التأويل مهما كان موضوعه هو أمر من أمور العقل المحض»، والتأسيس لهذا المنهج ممكن من داخل ثقافة الفكر الإسلامي من دون حاجة إلى استعارات من آخرين.
فالتأويل في ما تفيده دلالات معناه اللغوي يتضمّن التحليل والتركيب، وهما العنصران اللازمان للتفسير والنظر.