بشير حاجم وزهايمر النقد

ثقافة 2021/05/01
...

 علي لفتة سعيد
 
يعتقد البعض من (النقاد) أن النقد لا يعدو عن كونه ملاحقة السلبي في العمل الادبي؛ ولذا فإنهم يتسقّطون الأخطاء ويلاحقونها بمجهرٍ أكبر من المجهر الضوئي، لعلهم يرون خطأ في رواية يبلغ عدد كلماتها ما يزيد عن 61 ألف كلمة وتصل عدد صفحاتها الى ما يقرب من 344 صفحة وكأنهم وجدوا كنزًا مهمًا من كنوز النقد، وهو بهذا يريد أن يبدو كمن يصرخ أن يحرث في منطقة غير صالحة للزراعة لعل الأقمار الصناعية تشاهده.. هكذا أرى الناقد بشير حاجم في بعض مقالاته النقدية حتى تلك التي يشيد ببنائها ومعمارياتها، فهو يستل ما يريد لينطلق لما يريد علّه يجد سبيلا له للتفرد بكل ما يريد.
إن النقد ليس توجيه تهمٍ أو (مرد) كتابة (مردًا) بجملةٍ قد تبدو عرضية مثل (انهيارا كاملا في المبنى القصصي لرواية مثلث الموت) حين وجد ثلاثة أخطاء فيكتب عنها مقالا نشرته جريدة الصباح في عددها ليوم 28 نيسان وحمل عنوان (زهايمر السارد عن تهاوي المسرود في مبنى الرواية) والذي سبق أن كتب ذات الكتابة على صفحته الشخصية في فيسبوك قبل سنوات، وحين التقينا في ملتقى السرد ببغداد أخبرته عدم اعتراضي على ما ذهب إليه وانه لن يكون مقالًا أو دراسةً نقديةً كونها تفتقد الى علمية النقد ومهنية الناقد وصدقه، وأوضحت له ان النقد لا يوجّه (إهانة) الى الكاتب ويتهمه بالزهايمر، فهو أمام عملٍ فيه من الجمال ما يمكن الانطلاق منه، و(القبح) ما يمكن الإشارة له، وايضا أن ما كتبه لا يعد نقدًا بل إشارة الى شيءٍ واحد من مجمل العملية النقدية، والثالثة إن هكذا نقد يعد نقدًا (إسقاطيا) أكثر منه نقدًا علميًا ومهنيًا يصدر من ناقد له اسمه.. شربنا الشاي ونهضنا من مقهى شارع السعدون.
إن النقد عملية استبصارية واعية وهي تشبه من يلتقط من الميناء حمولات ما يبتغيه ويلائم قدرته على الحمل والنقل والخزن والترويج والتوصيل الى المستهلك الذي هو المتلقّي.. والنقد عملية استنهاضية لما يمكن أن يكون في الواجهة العليا من المرايا أو المنطقة المرتفعة، لكي يراها المتلقّي الذي لم ينتبه الى الأشياء أو يساعده على رؤية ما لم يتمكّن من رؤيته خلال ساعات أو أيام القراءة والتبحّر والتفحّص عن معالم النص الروائي، والنقد عملية استرجاعية للمعلومات المرافقة للنقد الذي يلائم النصّ وما جاء في الرواية، وليست إسقاط فهم الناقد على النص، إلّا إذا كانت عملية إعانة لتبسيط المفاهيم.. النقد عملية تسليط الضوء على مكامن النصّ لكي يكون معينًا لسير المتلقي في دروب القراءة وتبسيط إجراءات التلقّي.. أمام هذه التعريفات أو لأقل المفاهيم الإجرائية التي فهمتها وعرفتها بما يدور حول أهمية وفاعلية النقد، وهو ما يعني ان النقد ليس استلال ما يريده الناقد لإثبات قوّته وإمكانيته وقدرته على الغوص والتنفّس بعمقٍ والمطاولة والتقاط الاشياء التي تسيء الى العمل- هذا إذا كانت حقا تسيء- لأن ما ذكّره الصديق الناقد حاجم لم يكن مؤثّرًا على مبنى النقد أو كما طرحه في حينها على أنها جزءٌ من دراسة، وكأنه اكتشافٌ نقدي جديد، أو مصطلح يمكن أن يتحوّل الى منصّةٍ عالميةٍ (زهايمر السارد).
إن الاعتراض ليس على (الالتقاط والصيد الثمين) بل على طريقة الطرح بدءا من عنوان المقال وتشبثّه بما قاله وتراجعه عما اتفقنا عليه في اللقاء الثنائي، من أن المهم هو نقد العمل وليس نقد المنتج، كونها تتحوّل الى طعنةٍ شخصية.. وأيضا الاعتراض كان على نتيجة ما توصّل اليه وكأنه حكم مباشر على رسوب العمل الروائي في جملته الأخيرة التي تأتي وكأنها توصية وتحليل واستنتاج ورأي قاطع (هكذا انهار المبنى القصصي لهذه الرواية، بنيتها/ تقنيتها/ جماليتها/ ثيميتها، نتيجةً لإخلالها في إلزام المتن الحكائي بالتجاوز البنيوي، إذ تهاوى مسرودها: حدثه/ شخصيته/ زمنه/ مكانه، تماما، ما أودى بها، ممّا يعنيه هذا التهاوي...) وهو هنا أعطى رأيًا قاطعًا ببطلان الجهد الذي تم بذله وما تحويه الرواية من أسلوبٍ تدويني، ومن جرأة في الطرح تناساها كلّها وذهب مباشرة الى اخطاء ثلاثة لا أستثني بالعموم من أي عملي عالمي أبهرنا من الوقوع فيها حتى لو كانت كتابات ماركيز. إن الامر بدا كمن يترك الغابة والجمال وورد والفراشات ويجلس قبالة (سلّة المهملات) ويقول الغابة قذرة ولا تستحق أن تكون غابة لأن فيها هذه السلّة التي لا يتجاوز مساحتها ثلاثة أخطاء أوردها في مقالـه وهي اختلاف الشخصيات في الرواية.
إن عملية الاصطياد هذه لا تعد نقدًا كما يفعل البعض في تسقّط الأخطاء الطباعية في الأعمال الأدبية، وخاصة التي تصدر من دور نشرٍ ليس لديها مصحّح لغوي أو مصوّب نحوي، كما هو الحال مع ما موجود في دار الشؤون الثقافية التي لولاها لاكتشفنا الكثير من الأخطاء (النحوية) في كتابات من ينتقد الآخرين بأخطائهم الاملائية والطباعية. 
إن ما ورد في مقال الصديق بشير حاجم لا يعد نقدا بل عملية الصراخ في منطقة ساكنة هادئة هانئة لكي يسمع الجميع صوته وهو من ثم لم يضرّ العمل الروائي الذي أشاد بها نقاد عراقيون وعرب وسيصدر بطبعةٍ عربية في فرنسا قريبًا وربما طبعة سوريا، بعد أن قرأ خبيرا الدارين الرواية وعدّاها من الروايات الكبيرة التي تستحق أن تترجم.
لا أريد الترويج للعمل ولكن هو حقّ الرد الذي أتمنى من الصديق حاجم ان يمارس النقد بكل حرية ولكن من دون توجيه الاهانة الشخصية ولا يعطي رأيا قاطعا بنجاح العمل الكلي أو فشله الكلي.