طبقات الحلم

ثقافة 2021/05/02
...

   طالب عبد العزيز 
 
لطالما سألتُ نفسي: هل الشعر ضروري في الحياة؟، وإذا كان ضرورياً، فأيّ الشعر ذاك؟، الوقائعي، بكل تفاصيل الحياة، أم المتخيل منه؟، وهل يتوجب على الشاعر أن يكون مرآة صادقة لحياته، وما يكتنفها من آلام وأوجاع، أم عليه أنْ يجعل منها مُتخيَّلةً، يخفف من أعبائها، كيما تكون ممكنة العيش؟، أعتقد، أننا بحاجة الى الأسئلة هذه في لحظة كتابة كل قصيدة، وبل وفي لحظة شروعنا بأيِّ عمل فكري وثقافي وفني. 
تقول القاعدة: على الشاعر أنْ يكون صادقاً. لكنَّ الواقع لا يطاق، وأريد مَنْ يخفف مِنْ أعبائه عنّي: يقول الانسانُ. ضمن حدود المعادلة الصعبة هذه، أرى أنَّ الشاعر كائنٌ مسؤول عن لحظة توازن القلق والخوف في النفس البشرية، عن لحظة انهيار الجمال في الروح، وتصدّع الامل، وأنَّ ما تنقله كاميرا التلفزيون ووسائل الاعلام كفيلة باطلاعه على ما يجري من الدم والدموع في أنهار قارات الله السبع، وهو، وإن كان لا يستطيع تأمّل وتمثل الجمال والمباهج في لحظته الراهنة، إلا أنه سيكون بحاجة لها في لحظة قد تحين، لذا دعونا نمنحنه شيئاً من ذلك، فوجوده في المتخيَّل والحُلمي خير من وجوده في الواقع الدامي.
لا يكلّفنا الحُلم كثيراً، والعيش في المتخيل يمنح النفس الانسانية القدرة على البقاء المنتج، ولا أغالي إذا قلت: على الشاعر أو الفنان أن يعتقد بأهميته الكبرى، لأنه الماكنة الوحيدة القادرة على صناعة الامل، والوقوف الى جانب شقيقه الانسان، في محنته امام تحديات وأسئلة الوجود الكبرى، فقد أوتي الكثير مما لم يؤتَ للآخرين، وهو بائع الأوهام الوحيد بغدٍ أجمل، وعليه أن لا يبخس حق نفسه في التجارة الفريدة هذه، فالناس بحاجة لمن يؤمّلهم ويدخلهم حديقة أحلامه، بالقدر الذي ينفرون فيه من الذي يقدّم لهم اليأس وعذابات القبر، وإذا كان الفن صنيعة الطبقة البرجوازية تاريخياً، أوجبُ عليه أنْ يستل من التاريخ ذاك شخصيته ويتقدم بمشاريعه وإن كانت حلماً.
ما الذي سيضيفه الشاعرُ الى الفجيعة إذا قال بأنَّ سقف داره قد سقط عليه؟، وما انتفاع المبتلى بالسرطان إذا أنشدته قصيدة عن الموت؟، وما الذي سنكتبه عن الفقد والخسران في حضرة المهاجر الغريب، خلف الخرائط وأقانيم الوجع؟، أيكون هؤلاء بحاجة الى دموع أكثر من دموعهم التي يذرفونها كل يوم؟، أرى أنْ على الشاعر أنْ يحيا حياتين في آن واحدة، حياته في طبقته الاجتماعية، وحياته المتخيلة، الحافلة بقيم طبقات المجتمع العليا، وأن تطغى على سلوكه في الشعر والفكر شخصية (جوليان سوريل) في رواية (الاحمر والاسود) لستاندال، لا بسعي البطل الشخصي في تحقيق ما يطمح اليه، إنما بفكرة الجماعة، وما يجب أن يسير العالم اليه.