حياة عباس بيضون تحت الصفر

ثقافة 2021/05/02
...

  البصرة: صفاء ذياب
 
(...)
هذا الجسد وحيدٌ مع نفسه
إذا كانت الحياة التي يجرّها حدثت فعلاً
إنّها خارج الوقت
ولا عدد لها أو ميعاد
زمن حرّ يجري كالدم
زمن لا يزال يتنفّس ويدمدم
في الداخل
أقلب خطوة على خطوة
وأدفنها في داخلي
أبتلع الطريق وأتركها تتقلّب فيَّ
أدوّر الساعات
وأتنقّل بينها (...)
من خلال هذا المقطع من قصيدة «الجهاز» التي كانت ضمن المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر اللبناني عباس بيضون، يمكننا تلمّس التحوّلات الشعرية التي رست فيها تجربة بيضون التي امتدت منذ ستينيات القرن الماضي حتى اليوم.
هذه المجموعة التي كانت تحت عنوان (الحياة تحت الصفر)، صدرت عن دار هاشيت أنطون في بيروت، وهي مجموعة القصائد التي كتبها أخيراً بيضون وتمثل خلاصة تجربته الشعرية. ويشير بيضون في هذه المجموعة، إلى أن قصائدها كُتبَت خلال فترة الحجر الممتدّة بسبب وباء كورونا الذي أصاب الكوكب برمّته عام 2019، وما يزال مستمرّا بتبعاته المؤذية حتى اليوم. 
ليجيب من خلالها عن عدّة أسئلة، منها: ما معنى العزلة؟، شحوب الأيام وتكرّر التفاصيل؟، ذلك الفراغ الذي ابتلع البشر فجأة، تلك المرايا التي أجبره الحجر على الاصطدام بها كل يوم، ومن ثم معاينة روحه وماضيه وعلاقته بالخارج والآخَر في كل لحظة؟.
الخوف... ذلك الذي نختبئ منه عبر استحضار الماضي.
والأشباح... تلك التي تزورنا يومياً من الماضي لترطيب هذا الحاضر القاحل.
كل هذا وغيره من الهواجس والعوالم الداخلية لشاعرٍ أثرى طوال السنوات الماضية قصيدة النثر رافدًا المكتبة العربية بعيون القصائد.
من جانبه، يقدّم الناشر كتاب بيضون هذا:
صاخبة هي هذه العزلة. مسكونة بأشباح من كانوا وما كان. شاحبةٌ هي. قاسية، عنيفة، ممتدّة، لا قرار للصوَر الاستعادية التي تستفزّها: الشارع. المقهى. الأصحاب. صوت الحياة...
كلّ ذلك مسجونٌ الآن في مرايا هي الشاهد الوحيد على ما كان، والتحدّي الأصعب لما سيأتي: هل ستظلّ وجوهنا هي ذاتها فيها بعد انتهاء الجائحة؟، يسأل الشاعر المتروك لهواجسه في هذه المحنة، الغارق في تأمّلاته، والمتفرّج المسكون بالفراغ الذي منه بدأ كلّ شيء وإليه كلّ شيء ينتهي.