التشابه والاختلاف في الغناء

الصفحة الاخيرة 2021/05/03
...

سامر المشعل 
كان الفنانون في السابق يبحثون عن الاختلاف والتميز عن الاخرين، ويفرح الملحن عندما يجد خامة صوت تختلف عن السائد والمألوف، ويسعى الملحن ويجتهد على وضع لحن يظهر مفاتن هذا الصوت، ويشعر الملحن مع الصوت الجديد ومع الشاعر بنشوة النجاح، لانه قدم اضافة جديدة للفن العراقي واكتشف خامة صوت ستزيد من منافذ الجمال لدى المتذوق للفن الغنائي.
لذلك نجد نجوم الغناء في السابق، كل مطرب له لون خاص وصوت لا يشبه الصوت الاخر، فصوت فاضل عواد يختلف عن صوت ياس خضر وصوت حسين نعمة يختلف عن صوت سعدون جابر وصوت قحطان العطار يختلف عن صوت كمال محمد، وصوت رياض احمد يختلف عن صوت حميد منصور وهكذا، فلكل صوت بصمة واسلوب معين وروحية في الغناء، وهذا التنوع الجميل كان يرفد اذن المستمع بالوان التطريب والابداع الغنائي، ومن يحاول التقليد يسقط بفخ الاستنساخ، فعلى سبيل المثال الفنان الراحل قيس حاضر عندما حاول تقليد صوت الفنان حسين نعمة، لم يكتب له
 النجاح.
وتشعر ان الاغنية التي يغنيها فؤاد سالم أو ستار جبار أو مائدة نزهت، مفصلة على صوت مطربها ولا يمكن لآخر أن يجيدها مثل مطربها الاول.
في عقد التسعينيات من القرن الماضي، اخذت الاصوات والالحان بالتقارب فيما بينها وبعد فتح تلفزيون الشباب اذرعه لكل من يريد الغناء من دون ضوابط او شروط، ظهرت لاول مرة بتاريخ الفن العراقي عشوائية الغناء وبات المستمع يشعر باكتظاظ الساحة بالاصوات التي تفتقر للموهبة المتميزة، لتسفر موجة المد الغنائي عن عدد محدود من المطربين، اما السواد الاعظم من تلك الاصوات التي كانت تصدع رؤوسنا فذهبت ادراج الرياح، ومن ضمن الاصوات التي كشفت عن موهبتها وحافظت على بقائها واستمرارها المطرب كاظم الساهر ومهند محسن وحاتم العراقي وهيثم يوسف وقاسم السلطان ومحمد عبد الجبار وباسم العلي واسماعيل الفروه جي وعقيل موسى
 وغيرهم.
وفي العقدين الاخيرين حدث العكس واخذ المغنون يبحثون عن التشابه، فاغلب الاصوات والالحان، متشابهة، بل أخذ هذا التشابه ينسحب على تسريحة الشعر والازياء و “طبرة الحاجب” وطريقة تصوير الفيديو كليب، وحتى اسمائهم!، لذلك المستمع الحالي لا يستطيع أن يميز بين مطربي هذا الجيل، ولا يحفظ الا بعض الاسماء من هذا الكم 
الهائل.
وعندما تنجح أغنية معينة وتشتهر، يبدأ الكثير من المغنين بالنسج على منوالها، ويبدو أننا وصلنا الى عصر الاستنساخ الغنائي، لان المغني يبحث عن الشهرة فقط، ولا يبحث عن أن يشكل اضافة نوعية بالفن وتكون له بصمة ابداعية وهوية فنية، تجعله يغرد خارج سرب التقليد.