القنصل البريطاني

الصفحة الاخيرة 2021/05/03
...

حسن العاني 
واحدة من حكايات قليلة رسخت في ذهني، ويعود تاريخ سماعي لها الى العقد الستيني من القرن الماضي، وملخصها أن القنصل البريطاني في الموصل استيقظ مبكراً على عادته لمزاولة الرياضة الصباحية، فاسترعى انتباهه مشهد غريب لم يألفه سابقاً، اذ لاحظ بأن اعداداً كبيرة من رجال المدينة يتوجهون الى مكان يصعب معرفته، وبقدر ما اثار هذا المنظر فضوله الكبير، فقد اثار في الوقت نفسه شيئاً من الريبة في حساباته، فربما كان وراء تلك المسيرة ما وراءها، وبالتالي فان الموضوع يعنيه شخصياً اكثر من غيره!.
توجه القنصل بالسؤال الى الحارس - وهو رجل امي بسيط - فأوضح له، أن الناس في طريقها الى مكان واسع مفتوح لأداء صلاة الاستسقاء، ومن الطبيعي أن يقف مستغرباً من مفردة (الاستسقاء) التي لم يسمع بها من قبل، وتولى الحارس مهمة الايضاح، وان هذه الصلاة هي دعاء يتوجه به المسلمون الى الله سبحانه وتعالى اذا ما تعرضت بلادهم الى شحة المطر او انحباسه، وكان مثل هذا الايضاح كفيلاً لتطمين القنصل من نوايا الناس السلمية، غير إنّه راح يتأمل الفكرة، ولم يجد احداً يحاوره فقال للحارس (أذهلتني فكرة الاستسقاء، ولكن على ما اعتقد فان الدين الإسلامي بحكمة بليغة وفطنة عالية، لم يشرعها لأهل المدن، بل أراد بها سكان البادية والصحراء، لأن السماء اذا لم تنزل عليهم الغيث، هلك الانسان والحيوان والزرع جوعاً وعطشاً، والامر الذي يربك حساباتي، هو لماذا يتوسل العراقيون الى الخالق العظيم، كي يهبهم المطر ويحيي ارضهم وزرعهم، وقد انعم عليهم بنهرين عظيمين وعشرات الروافد والانهار الفرعية، فماذا يريدون اكثر من هذا، والى أي شيء يطمعون وبماذا يفكرون؟!). 
توقف القنصل عن الكلام قليلاً ثم واصل حديثه من جديد (أتمنى الاّ يستجيب الرب لدعائهم، فلو اقام العراقيون ما يكفي من السدود والمشاريع الاروائية، لأصبحوا من افضل دول العالم، أنا خائف على بلادكم، اذا بقيت الحكومة على هذا الحال، لا تحرك ساكناً، وتريد من ربها أن يسقي الناس ويطعمها ويكسوها)، وانصرف الى غرفته منزعجاً، والطامة الكبرى اننا بعد مئة سنة لم نستوعب الدرس، ولم نلتفت الى كلام القنصل، وما زلنا نستسقي ونشحذ الماء، ومن يدري فقد يأتي يوم لا سمح الله، نحصل فيه على برميل الماء مقابل برميل 
النفط!.