حرية الذات عند الإمام علي

ثقافة 2021/05/03
...

 أحمد رافع
لكي نتحدث عن مفهوم الحرية لابد من الولوج إلى الروح كمبدأ حقيقي في التعامل معها واعطاء صفة بعيدة عن خطر العبودية، فتهذيب الروح هي ميزة مانحة تكونت بفعل الإرادة الحرة المتجردة من كل معاني الانقياد والتمسك بمعبودية الخالق؛ 
 
لأن فيها عبادة الاحرار مادام محورها قائما على أساس الإخلاص والحب وليس لأي شيء آخر يتداخل معه مصلحة أو قضية.. هي أشبه بعلاقة بين حبيبين تبعد الروح عن كل العبوديات التي تدر خطرا على المتحرك لأجلها.
ومبدأ الروح لا يتغير طالما هناك عدم وجود إنكار للذات إذ ما سمحت لنفسها أن تكون أسيرة بيد معلومة المصير أو مجهولة الحدث،فتقارب الروح مع الخالق نتيجة حتمية لتنقيتها وإصرارها على تفاهم الاشياء المحيطة بها طبقا لتفهم الذات، كما أن الحصول على النقاء ليس صعباً لأنه على مقربة من العبودية والمسافة الفاصلة بينهما -تأمل الأشياء بحسب ما تريدها الذات السجينة وحرية الذات تنظر على أن الذات السجينة تشعر بالخوف في حين أنها تتمشى دائما على سكةِ الخطر وصلابة الإرادة لحل نزاع الذات وقدرتها على النفي أو القبول- لأن الحرية ببساطة تؤخذ ضمن ارادة الفرد الحرة. 
ولذا فإن الحرية في نهج الإمام علي عليه السلام تنطلق من نظرة روحية إلى الانسان، ومن جملة وصاياه "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا" وهذه النقطة الجوهرية التي تنشأ من خلالها الحرية بمقدار ما يتقرب الفرد الى الذات المعطية، وهي ذات الله النبع الواحد الأوحد الذي يستسقي منه كل من يروم حب الحرية.
ولعل الاختلاف البسيط في البحث عن الحقيقة يزول طالما هناك مجهود شخصي يبذله الساعي وعلى غرار البحث، كما يمكن أن تكون الحرية عديمة الحدود.. إذ لا يمكن أن تقبل المحدودية في اطارين مكاني وزماني خصوصا عند رفض المكان عبر مغادرته.. ولكن لا ينبغي بالمطلق رفض فكرة الزمن التي تعد استمرارا لتقدم الايديولوجيات وتطويرها. 
أيضافإن منح الحرية ضرورة تتطلب شيوعها على مستوى الاسرة أولاً في اعطاء الحق الشخصي للإنسان كي يتعامل معها وفق ما هو موجود في اطاره الزمني الذي يعيشه، فكما يقول الإمام: "لا تقسروا اولادكم على اخلاقكم فإنهم مولودون لزمان غير زمانكم"،كنداء لتوسيع دائرة الحرية على وفق مبدأ الولادة الحرة، لأن المولود لنيتمكن من أن يمسك زمانين مختلفين، وهي دلالة عميقة تفتح أبوابا كثيرة وتنبه الآباء الى عدم استعباد الاولاد في تنشئتهم على قديم من شأنه أن يسهم الى صراع في الذات المنادية لعدم تقبل العادات الفطرية والموروثة من دون صحة أمرها، وهي دلالة تشي في أن الحرية تبدأ من محيط أسرة الفرد كضرورة التخلص من إكراه مزاولة الشيء واستعباد ذاته.
أما الخطوة التالية في نهج الإمام تكمن في أن الحرية طريق وحياة، ويقابلهما رفض التوقف على شيء معين أو الدخول في دائرة والتمحور حول نفسها، فالتكيف بقدر ما ترغب به الذات الحاصلة على انتقالة تساير فئة معينة من المجتمع بتجرده المطلق تسعى اليه الذات في انهمامها الشمولي حول عمقها للامساكبمعقولية الأشياء..الذات الحاصلة على مبدأ التكيف على ما تريده الأنا من دون الولوج الكُلي لهيكلة المجتمع، لأن انعدام التكييف يرهق الأنا من دون حلول.
لطالما أخبرنا الإمام أنها طريق مما يعني عدم تقبلها للنهايات المفتعلة نتيجة لبداية أساس بنائها بإرادة ضعيفة وليس للإرادة هذه أن تحمل جهدا واسعا، لأنها توقفت عند حد معين.
إن الذات عميقة إذ ما نظرت لنفسها ببصيرة الحرية بل تتسع في تأملها الانعزالي لتنتج فكرها بعيداً عن ارتباطها بجماعة معينة، وهذا يمكن أن نلاحظه في أحد خطب الإمام "أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار"، ويمكن للفرد الحر أن يحمل على ظهره تبعات حياتية، ربما شاقة بعض الشيء نتيجة الممانعة التي تترتب عليه بمقدار ما تحيطه حريته التي كان يعد لها ويبنيها انطلاقا من تقربه للعزة الإلهية.