الأثر الثقافي للكوفة عند علي (ع)

ثقافة 2021/05/03
...

  صلاح حسن السيلاوي 
 
كان الهم المعرفي يمثل أولويةً للإمام علي (ع) في حكمه، يتضح ذلك عبر ما وصلنا من روايات عن حياته الخاصة وتعامله مع أهل الفكر والعقل. 
 ثمة علاقة لذلك باختياره للكوفة عاصمة لدولته بدلا عن المدينة المنورة. الأسباب المتعارف عليها والتي يطرحها بعض الباحثين متعددة ومتفق على أكثرها، ومنها الموقع الجغرافي وما يحيط الكوفة من الاراضي العراقية والعالم العربي، وقربها من ولاية الشام التي خرجت عن طاعته بأمر معاوية بن أبي سفيان، فضلا عن اطمئنان الامام (ع) لثقلٍ إنسانيٍ من رموز وشخصيات الكوفة والعراق حين أخذ التوتر والفتنة مأخذاً من الناس بعد مقتل عثمان (رض) وحرب الجمل.
كان عام 36 للهجرة، الذي بويع به الإمام خليفة للمسلمين يغص بكثير من المشكلات، وكان عليه أن يكون في موقع مؤهل معرفياً وثقافياً واقتصادياً لمواجهة كل ذلك.
لا شك في أن علي (ع) كان يعرف مدى اهمية الكوفة الثقافية التي طالما كانت اخبارها تصل لما يجاورها من المدن، كما يعرف أنها وريثة لما تمتلكه الحيرة من أثر فكري ولغوي وأدبي في المدة الزمنية التي حكمها المناذرة، وما كان يشيع بين العرب من اخبار قصورها واسواقها وقراها وأثر كل ذلك على الحياة في العراق.
أجد أن علي (ع) كان يريد أن يحدث عبر الكوفة والعراق تغييرا ثقافيا في الحياة العربية، انطلاقا مما تملك هذه المدينة من إرث معرفي وما يدعم هذا الارث من نمو اقتصادي يرتكز على واقع خصب أسهم في صناعته نهرا الفرات ودجلة.
العراق مركز ثقافي لا بديل له في العالم العربي، يؤكد ذلك الوجود الانساني بشكل عام، الديني منه وبسند الكتب السماوية التي لا تخلو من قصص حيواته ورموزه المهمة، ويكاد يكون العراق والكوفة في قلبه، يمثلان جسدا وعقلا لهذه الارض عبر ما تبثه الاديان والمعارف فيما يصلنا من تاريخ. 
كان يمكن لنجاح خلافة علي (ع) برأيي أن تغير من صلف الصحراء وقسوتها، تلك القسوة التي أصبحت ماثلة في الثقافة العربية عبر كثير من الفتاوى والصراعات الصحراوية على السلطة، كان الامام يحاول أن يجعل من العراق وطنا أخضر لتداول السلطة بعيدا عن رمل الصحراء وقريبا من الماء وما يتركه من أثر على الحياة وما يصنعه من عذوبة في اللغة والمعنى والأسلوب، أعتقد أن تلك المحاولة فُهمت بشكل او بآخر من قبل العباسيين ولكنهم استثمروها لصالح سلطتهم؛ ولهذا أنشأ العباسيون وعلى الرغم من تسلطهم ثقافةً واثراً عظيماً في الحياة العراقية والعربية والعالم.