الملح والسكر في تقاطع دائم

الصفحة الاخيرة 2021/05/04
...

زيد الحلي
تقدمتُ الى معلمي في الدراسة الابتدائية، وقد شاهدته في محل للتسوق قبل سنوات، وسلمت عليه بحرارة، ثم قلت له : ألا تعرفني يااستاذ ؟، كنت في الاربعين من عمري، فأجابني رحمه الله، وقد بان عليه الكبر وعاديات الزمن: اعذرني لعدم تذكّري لك، فالذين ادرّسهم سنويا اكثر من 150 تلميذا، وقد مارست التعليم لاكثر من خمسين عاما، فكيف اتذكر كلّ من درّسته؟، ثم ربت على كتفي ضاحكا: انت تعرفني لأنني معلمك، وانا لا أعرفك لأنك تلميذ من بين مئة وخمسين تلميذا، صورتي امامك واحدة، وصورتك امامي مختلطة بعشرات الصور، وتبادلنا الحوار والذكريات وودعته بعد أن طبعت على جبينه قبلة امتنان، ومرت امس في خاطري صورة لقائي بهذا المعلم النبيل والمربي الكبير، مثلما مرت احاديثه التربوية التي كان يزاوج فيها بين الدرس والتوجيه المجتمعي.
كان الرجل أسكنه الله شآبيب رحمته، يقتطع في كل حصة دراسية دقائق، ليحدثنا نحن تلامذته عن اهمية السلوك السوي في الحياة، مركزا على الشعور الانساني الذي كان يسميه عنصر الحياة، فمن دونه تصبح الدنيا خالية من الود والتراحم والشكر.
 ومن اقواله التي مازالت عالقة في وجداني (ان الشعور الانساني، وذكر المعروف، خصلة يمنحها الله سبحانه وتعالى لذوي القلوب الصافية، الممتلئة قوة وشموخا).. ما اصدقك 
معلمي.
إنَّ الانسان النبيل، انسان غير هياب للأقاويل مرفوع الرأس قوي الشكيمة لا يخاف من ماضيه، مثلما يؤمن بالمستقبل من دون تردد، وذكر المعروف ليس عيبا او مثلبة، بل شجاعة فليس هناك انسان تبوأ مركزا او حصل على شهرة من دون أن تكون له بدايات، ولا بد لهذه البدايات من موجه ومحتضن، فحرام علينا أن نبخس حق من اعطونا من وقتهم ودمائهم واعصابهم حتى استوى عودنا، أشعر بالبؤس على فاقدي الشعور الانساني من بعض المسؤولين، فكلامهم لا يشبه سلوكهم، وهم والانسانية في حالة تقاطع، مثل تقاطع الملح والسكر.