الفقر والغنى

الصفحة الاخيرة 2021/05/08
...

حسب الله يحيى 
التباين في الحياة أمر لا يمكن الغاؤه ولا التغافل عنه، فهو حقيقة أزلية بين البشر وحياتهم، لكن أن يكون هذا التباين، قائماً على غياب العدل، وعلى حساب الآخرين واستغلالهم والهيمنة على حقوقهم ؛ عندئذ يتحول الى غبن وظلم وعدوان لا يجوز السكوت عنه ولا الصبر على احتماله الى ما لا نهاية، إنَّ (الوطن) الذي ننشده وننتمي اليه ونذود عنه، وطن يجعل هذا التباين يعتمد على الخبرة والكفاءة والعمل المنتج، وإن هذا (الوطن) كما يقول جان جاك روسو: «الا يبلغ فيه مواطن من الغنى بحيث يحق له شراء مواطن آخر، ولا يبلغ فيه مواطن آخر يعاني من الفقر بحيث يضطر لبيع نفسه»، حتى يتم قبوله في (الوطن) بوصفه مواطناً صالحاً، فهو اجحاف بحق المواطن والمواطنة.
وامام (الوطن) الحق معالجة هذا التباين القائم بين البشر، ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطن المعدم والمحروم من الحياة الآمنة، من الفاقة والبطالة والمرض والامية، يراد منه أن يقبل بكل هذا الثقل من الحياة المرة، بينما سواه يتمتع بامتيازات واسعة ومتخم بالمال والرفاهية والعيش الآمن والحياة السعيدة من دون استحقاق يذكر، الا في ما وضعته الاقدار فيه من نعم هي ليست من استحقاقه ولا من مصادر عمله ولا جده واجتهاده، وانما وضعته ظروف غير طبيعية لكي يغتني، بينما الاخر يعاني من الفاقة.
الوطن مسؤول عن مواطنيه، والقوانين البشرية وضعت لكي تعدل بين الناس، كل حسب قدرته وكفاءته وعمله، لا حسب علاقته وظروفه الطارئة التي اكتسب فيها هذا التباين.
نعم.. الوطن مسؤول عن جوع يضرب في حياة الكثيرين وظلم يلحق بهم وجهل يخيم على طبيعة احوالهم وامن يهدد وجودهم ومرض يسحق انسانيتهم من دون أن يرف جفن غني عما هو عليه من تخمة، بينما يعاني الاخر من شظف الحياة كلها، والوطن معني بمعالجة هذا التباين مثلما هو معني بأن يكون فيه كل مواطن ينبض بحب الوطن وعطائه السخي.