هل الأدب حالة فريدة في القرن العشرين؟

ثقافة 2021/05/09
...

  ضحى عبدالرؤوف المل
 
طغت تقنيات الاتصال بسبب التطور الهائل الذي حصل في القرن العشرين على الأدب، وتركته في حالة فريدة، ولم يُنظر إليه كنوع من أنواع الاتصال الادبي بالرغم من أن الخطاب الادبي هو شكل من أشكال الاتصال الذهني الذي يعصف بالكاتب والقارئ ودوره في إحياء النص الادبي. 
بل حتى وتكوينه من حيث المفاهيم التي يتم التركيز عليها، وهذا بحد ذاته هو نوع من انواع الاتصال الذي يربط بين الكاتب والقارئ ودور كل منهما في تشكيل حالة فريدة للأدب في زمن باتت أنواع الاتصالات مفتوحة على مصارعيها، فالتفاعل بين المؤلف والنص والقارئ لم يكن وليد القرن الحديث بل المحاكاة الأزلية بمعنى الفعل الكلامي المفتوح على نص يخبرنا عن العوالم المجهولة لنا، وبمعنى آخر يمنح العمل الأدبي قدرة على التواصل مع الآخرين من خلال التفاعل معه، ويصل إلى الذروة من خلال القراءة ونقل المعلومات من النص الى القارئ، وهذا الاتصال هو الفعل الحقيقي للأدب ودوره في المجتمعات بعيداً عن التقنية المعلوماتية الجافة بعض الشيء مقارنة بالأدب الذي حقق الاتصال مع الاخرين منذ نشأته وبداياته. فهل يمكن القول إن الأدب حالة فريدة في القرن العشرين؟، وهل الادب هو عملية ابداعية يرسلها الكاتب الى القارئ بوسيلة كتابية أكثر تعقيداً من رسالة الكترونية مشفرة قد لا يستطيع فكها مستلمها بينما يستطيع تحليلها القارئ عندما ترسل بشكل أدبي؟.
كل عمل أدبي هو قابل للتواصل والمشاركة عبر الأسلوب الذي ينتهجه الكاتب،  والمعنى الذي يبحث عنه القارئ تبعا لتنوع القراء والفهم المتغاير لكل قارئ يعيد صياغة الفكرة وفق سياقات مختلفة من مفاهيمه الخاصة، وهذا مشروط بالسياق الاجتماعي والتاريخي والتحليلي للقارئ الذي يمنح العمل الأدبي قدرة على الاتصال معه رغم خصوصية العمل التي تنبع من الاهداف الحقيقية له، بمعنى آخر الفكرة الابداعية التي وضعها الكاتب كنقطة اساسية انطلق منها لتصل الى القارئ كما أرادها رغم التحليلات الاخرى التي قد يجهلها الكاتب من خلال تفاصيلها الاستثنائية، وبشكل مجازي ذي خصوصية ناجمة عن قوة العمل الادبي قصيدة او رواية او نص ادبي وغير ذلك.. فهل نؤكد من خلال الادب عن قوة اتصالنا بالعالم؟، وهل سيصبح الادب في زمن الاتصالات التقنية قوة نتشارك بها مع العالم؟،
أن تقرأ نصاً وتبكي او تقرأ نصا وتضحك او تنهي رواية ما وتدرك أن شبيهك فيها قام بعمل مغاير عما فعلته أنت ذلك أغرب ما يحدث بين القارئ والنص. 
أما أن يعيش الكاتب دور البطل او ان يشكو همه لحبيبته عبر رسالة أدبية ويبكيها وتصبح مستغرقة بالنص هي والقارئ على سواء لهو تاريخ عميق حقق فيه الكاتب قوة الجذب والاتصال الادبي غير المباشر بغموضه وانفتاحه عبر الكلمة التي تحيا من خلاله، وتشكل نوعا من الذاكرة الأدبية التي تتشكل فعليا بعيداً عن الأوهام في زمن التواصل الافتراضي الذي التقى مع الحقيقة العميقة للأدب، وهي الاتصال مع الآخرين، ولكن عبر تغذية الاحاسيس والمشاعر والفكر الذي يسمح للآخرين بالتعرف على انفسهم، وعلى الآخرين من خلال العمل الادبي واهدافه.  فالتفكير الابداعي في الادب يتخطى التصورات ويجعل من العمل الادبي كالوعي وقدرته على الحفاظ على نفسه، كأعمال الاديب نجيب محفوظ ومنها روايته «بين السما والأرض» والتي تحولت الى فيلم واليوم نشاهدها كعمل درامي يتم عرضه في الموسم الرمضاني 2021، ومن اخراج «محمد جمال العدل والقصة قائمة على مصعد كهربائي يتعطل وبداخله مجموعة من الاشخاص يلتقون ببعضهم لأول مرة ولكل شخص منهم حكاية، ناهيك عن التحولات والحماقات بين الشخصيات التي تسمح بالاستكشاف النقدي، وتمنح الاخر قدرة على الاتصال معهم من خلال المحاكاة الاجتماعية والانسانية  التي يفرضها نجيب محفوظ في كل اعماله، فهل من كون خاص للكاتب يفتحه أمام الاخرين بقوة الاتصال الواعي الذي 
يمتلكه؟.