الموسيقى والحزن.. المطرب داخل حسن أنموذجاً

الصفحة الاخيرة 2021/05/10
...

    وجدان عبدالعزيز
الحزن شعور ينتاب الانسان، فيلجأ للتعبير عن آثاره النفسية، لكن الموسيقى عالم من الجمال، فهي فن يهتم بتأليف وايقاع وتوزيع الالحان، وطريقة الغناء والطرب، ورغم هذا فهي تعد محمولا لحالة الحزن واكتشاف الذات، وربما لهذا السبب تصور فريدريك نيتشه، الفيلسوف الألماني الأشهر، في كتابه «مولد التراجيديا».
 
 أن الموسيقى هي شرط ترانسندالي سابق للغة، كذلك ربطها بما تعنيه “الإرادة”، بل ووضعها كصورة بدائية من وجودنا ذاته، وبذلك يكون التعرف على الموسيقى، بالنسبة لنيتشه، والتعرّف بها على العالم، هو تعرّف على ذواتنا، وتكميل لها، لذا هي تناغمت مع ذواتنا في احزاننا وافراحنا، والا لماذا بقينا نتناغم مع اصوات قديمة، لانها اصوات امتزجت بحزن مع الموسيقى فولدت تأثيرا واثراً لا يمكن
محوه. 
كما في صوت داخل حسن المولود في قضاء الشطرة عام 1909م التابع لمحافظة ذي قار، وكان يمتاز بحنجرة قوية ونفس طويل وكذلك بحة شجية في صوته تحمل في ثناياها الشجن والحنان، وكان صوته يمثل أوركسترا كاملة من الآلات الموسيقية. 
وكان يبث الشجن الدافئ في أعماق مستمعيه، اذ استخدم ذكاءه، ورغم انه كان رجلاً أمياً الا انه كان يختار كلمات أغانيه التي تدخل الى قلوب مستمعيه، اذ غنى جميع الاطوار الغنائية الريفية، مثل البوذية، والمحمداوي، والشطري، وكذلك الاهزوجات التراثية وغيرها، وأثناء غنائه كان يظن المستمع والمشاهد انه يبكي ولا يغني لفرط ما تتغير ملامح وجهه تقطيباً
وعبوساً. 
وخاصة عندما يبدأ بعصر حبات (مسبحته) كلما زادت أحزانه وانفعالاته، واتخذ المسبحة جزءاً من الآلات الموسيقية التي ترافقه في الغناء، وكان صوته يجمع رفيف نخيل الناصرية وغناء الصيادين وعمال الزوارق، وهدهدة الامهات وحزن الجنوب وصدق المشاعر، التي يتحلى بها ابن الجنوب، فكان داخل حسن يتناغم مع الموسيقى بحزنٍ عميق، ويبث اجواءً تنجذب لها الذائقة، فتتأثر بها وتنحاز لها، كون الحزن احدى صور العاطفة والمشاعر
الإنسانية. 
فالحزن شيء فطري ينتاب كل البشر، عندما تقابلهم متاعب الحياة،  ولا أحد يستثنى من ذلك، كحزن أم موسى وحزن سيدنا يعقوب وحزن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على قومه عندما لم يستجيبوا له، لذا ورث داخل حسن الحزن من التاريخ ومن محيطه في الناصرية، التي تعرضت لانواع من الهزات التاريخية الحزينة، لذا كان طابع غنائه
حزينا.