ثقافة الاستماع من الكاسيت الى اليوتيوب

الصفحة الاخيرة 2021/05/10
...

سامر المشعل 
كنا نمارس طقوس الاستماع للاغاني بمتعة وغواية، في اكتشاف جمال الصوت والاغاني ونتلمس منها مشاعرنا، ونواصل بحثنا الدائم للجمال سواء في الاغاني العراقية أو العربية، ولم تكن عملية شراء “الكاسيت” بالامر الهين، كون اغلبنا نحن أصحاب العواطف الجياشة فقراء، وعندما نحصل على شريط كاسيت لمطربنا المفضل، فهذه قمة السعادة والمتعة، ولنا مع الكاسيت مواقف واحداث لا تنسى، فعندما ينقطع الشريط، فهذه كارثة، ونعمد الى اصلاحه بحذر، بلاصق أو بصبغ الاظافر، وعندما توشك بطاريات المسجل على النفاد ويبطئ الشريط في مشيه. 
نعمل على تمشية بكرة الكاسيت بقلم، كي نصل الى الاغنية التي نريدها، ونحزن عندما نفقد كاسيتاً «لطشه» احد الاصدقاء أو عندما «يعلس» الكاسيت في «هيد» المسجل، هذه الذكريات نسترجعها بمتعة وحزن معا، ونحن نبحث عن متعنا الصغيرة في الاستماع الى الاغاني عندما كانت هناك اغانٍ وجمهور يقدر قيمة
 المغني.
لا شك ان الاستماع الى الاغاني الان يختلف جذريا عما كان سائدا في السابق، كذلك الاستماع يختلف حسب المراحل العمرية وثقافة ونضج المستمع، وايضا مرت وسائل الاتصال بمراحل تطور
هائلة. 
منذ بداية القرن الماضي بدأت ثقافة الاستماع بالعراق من خلال اسطوانات الاغاني، وكانت اسطوانات حجرية تسمع من خلال جهاز الكرامافون، ثم تحولت الى اسطوانات بلاستيكية ثم الى “تيب” الشريط الممغنط، ثم حدث تطور كبير في تقنية التسجيل، وهو ظهور الكاسيت، ثم ظهرت اقراص «c d»  ومن ثم ظهرت تقنية البلوتوث.. الخ.
في السابق كان المستمع يبحث عن سماع المطرب، وتقوده رغبة متأججة في أشباع رغبته من هذا المطرب أو ذاك، ولم تكن الاغاني متاحة وسهلة التناول مثل هذه الايام !.
أما الان فالمطرب هو من يبحث عن المستمع، ويتوسل بمن يسمعه، ويبحث عن المشاهدات بكل السبل، وأصبحت عملية الاستماع أسهل ما يمكن، فكل الاغاني متاحة فما ان تدخل الى اليوتيوب حتى تجد كل اغاني الكون من زمن سيد درويش وملا عثمان الموصلي الى محمد السالم وحمو بيك، واصبحت هناك تخمة في الاغاني وقنوات غنائية تبث على مدار الساعة اغاني سخيفة، لكننا فقدنا متعة تذوق جمالها، وأخذ المطرب ينشر أغنيته باعلان مدفوع الثمن في جميع وسائل التواصل الاجتماعي وعلى اليوتيوب، واصبحت لكل مغن قناة خاصة وكأنه يتوسل بالناس لسماعه.
أغانٍ ساذجة لا تستحق الاستماع تصل مشاهداتها الى الملايين، لكنها تذوب وتزول سريعا في زحمة الاغاني، واغان ذات قيمة ذوقية وجمالية لا تحصل الا على النزر القليل من المشاهدات، مفارقة ذوقية غريبة، لكن هذه الاغاني طبعت في ذاكرتنا ووجداننا كوشم لايام العاطفة الانسانية الصادقة والحب
 العذري.