متى نغادر شتاء القلب؟

الصفحة الاخيرة 2021/05/12
...

زيد الحلّي
في شهر آب من سنة 2012، كتبتُ موضوعا عن قاص، كان شاغل الناس حين كان حياً  وبمسؤولية وظيفية مرموقة، فكانت الصحف والمجلات ووسائل الاعلام ملأى بصوره واخباره، وحين انتقل الى جوار ربه طواه النسيان ولم يحظ بالذكر حتى في المناسبات الثقافية، وابتعد عن الاشارة اليه النقاد ومن يكتب بالشأن الثقافي، وقد وضعتُ لمقالي عنوانا اعتبره البعض قاسياً بحق المجتمع، حين قلت ( النسيان ظاهرة عراقية بامتياز)، وبدلاً من دراسة هذه الظاهرة سارعت اقلام الزملاء وغير الزملاء الى نفيها ونكرانها، ووصفوني بشتى النعوت، ناسين ان عيوب الجسم يسترها متر قماش، لكن عيوب الرؤية القصيرة الامد يكشفها الواقع، ويؤكدها الزمن عند اولى صفحات التاريخ .
ان الثقافة تمر بمحك ضيق ولا يزداد حجم ضيقه الا بوجود المبدعين الاحياء وذكر الراحلين، فبذلك وحده يمكننا تجذير مساحة الثقافة العراقية في وجدان الشعب، بحيث تكون بعيدة عن سوط داء النسيان او التناسي، لأن التاريخ يعلم الإنسان الدروس، ويجعله أكثر وعياً و أقدر على رؤية حاضره ومستقبله، فالتاريخ نبوءة وخط متصل قد يصعد أو يهبط ويدور حول نفسه وينحني، ولكنه لا ينقطع، لأنه حركة تغيير الصمت والساكن الى لغة وحروف وحركة وصوت، فالمحارة الجريحة وحدها هي التي تضمد جراحها بلؤلؤة، كما ان مسيرة الابداع شبيهة بمنجم صغير الحجم، فيه الكثير من المعادن المنتقاة التي لا تنتظر إلاّ من 
يتأملها.
إن ظاهرة النسيان تبقى قوة غير منظورة لهزم التذكر، مع الاسف الشديد، وقد مسحت هذه الظاهرة الكثير من اسماء المبدعين، وجعلتهم  دخانا مبثوثاً في فضاء النسيان إلا ما ندر، وهذه الظاهرة المؤلمة اصبحت سلاحاً خطيرا يمكن توظيفه واستغلاله حسبما يريد البعض من عديمي الاحساس بالقيمة التاريخية، وبصناع الابداع على مختلف الصعد، وما زلتُ مؤمناً بأن لكل شيء بديلا إلا الابداع .