كنتُ جوهر عملي

ثقافة 2021/05/17
...

ابتهال بليبل
 
ربما الفنانة البريطانية تريسي أمين هي أكثر من مثٌل الفن النسوي بشكله العميق، لكن عبارة الفن النسوي نفسها هي سياسية بقدر إضاءتها على حركة تحرير المرأة، بقدر التغيير الذي أحدثته الممارسات الفنية عندما تناولت الجسد الأنثوي بعديد من الأسئلة الاجتماعية والسياسية كالتمثيل والأيديولوجيا غاية في إعادة تقييم المرأة ونقد الأنوثة التقليدية وتمثيلاتها في أساطير وقصص وتفسيرات أبوية.
لم تكن حياة أمين التي ولدت عام 1963 سهلة، لقد تعرضت للاغتصاب وواجهت سوء المعاملة والإهمال في علاقاتها، إلى جانب معاناتها من الإجهاض المتكرر، كما فقدت الكثير من أعمالها الفنية المبكرة بحادث احتراق المستودع الذي كان يحتفظ بها. لكنها كانت بعد كل صدمة تعيد تنظيم حياتها عبر فنها الذي أصبح شاهداً على معاناتها الأنثوية وخيباتها.
قد يبدو الأمر عادياً أن يكون خلف كل مبدع مأساة ما.. لكن غير العادي أن تتطابق أعمال الفنان أو الأديب بين أفكاره وسلوك حياته لدرجة أن تمكث أمين وهي عارية تماماً في غرفة مغلقة لمدة أربعة عشر يوماً مع الكثير من اللوحات القماشية والمواد الفنية الفارغة في محاولة للتصالح مع الرسم الذي عجزت آنذاك في ممارسته عبر نفض شياطينه من جسدها ورأسها. 
ما يشغلني هنا ليس كيف يحدث ذلك، ولكن كيف يمكن أن ندرك حقيقة أن يكون جسد الأنثى محطة لصراعات وجودية متواترة بين مأساة وأخرى، اتصال باتجاه التنميط وانفصال تشرخه العدمية. 
جسد الأنثى في المتن الإبداعي العام يسبب مزيداً من الشعور بحاجة المقاومة عند اللواتي يَشكوَنَّ من العلاقة الوطيدة بين أجسادهن وتجارب شخصية تقابلها إدانة مجتمعية. ربما لهذا، هناك ندرة في طرح هكذا نتاجات معنية بفنانات وأديبات. ربما لهذا أيضاً إن تأملنا تسميات أعمالها الفنية مثل (كل جزء مني ينزف- آخر شيء قلته لك كان لا تتركني هنا- دش حزين بنيويورك) وغيره، سنكتشف من سيرتها الذاتية كيف أنها تنقل لنا تجاربها، وهي – اقصد حياتها- ما لم تكن لتتداخل وتتشابك مع أعمالها بيقين أنه الشيء «الطبيعي».. فجسدي في المقام الأول هو جزء من نتاجي الأدبي أو الفني. 
أليست تريسي أمين هي القائلة في مقابلة معها: (أدركت أنني كنت عملي، كنت جوهر عملي)؟
يشير عالمها بوضوح إلى حياتها التي ستصيبنا بالدهشة عندما نعرف أن اعمالها الأنثوية غالباً ما كانت تتماشى مع الثورة أو الاحتجاج، كنتاج لجسدها ونظرة المتلقي. بعبارة أخرى، هذه الثورة هي (صِدام الأيديولوجيات) بين الفنانة (الأنثوية) والمتلقي (الذكورية). وهو موقف يقاوم الأنظمة الاجتماعية والثقافية، كما لو أن هوية الأنثى مبنية على مقاومة التقاليد الذكورية. 
ومع ذلك، فإن سمة الإحباط في أعمال تريسي نتاج جزئي عن فقدان جسدها الأنثوي، لأن خيط المونولوج الشخصي الذي يمر عبر جميع أعمالها يتم سحبه أو تنشيط حركته، وربما حتى قطعه من قبل متلقين يعتمدون بالأساس على نظرة تبدو أن حساسيتها تكمن في اللاوعي المطلق تجاه هذا الجسد. 
إن هذا الصراع الذي يحدث على مستوى الفن النسوي ليس لإظهار الجسد الأنثوي حيث لا نهاية لنزوات للإلهام، بل لتغيير سياسي في وضع المرأة، فضلا عن تعريف واسع للسياسة الثقافية بما في ذلك أسئلة التمثيل.. لذا فنحن - اقصد- النساء بحاجة إلى تعليم سياسي بقدر ما نحتاج إلى تعليم
 ثقافي..