ثقافة الترفيه!

الصفحة الاخيرة 2021/05/17
...

جواد علي كسار
لستُ وحدي بل رأيتُ أكثر من واحد يتحدّث عن الملاحظة نفسها، فعندما تترك العراق مسافراً، أو تنقطع عن أي مدينة من مدنه ثمّ تعود، تجد في طليعة المتغيّرات التي قد طرأت على المشهد، ازدياد عدد المطاعم ومحال المواد الغذائية، وإلى جوارها ازدياد ملحوظ في عدد الصيدليات وعيادات الأطباء والمختبرات وبقية المراكز الصحية!.
قد يمكن أن نتعامل مع المؤشّر الأوّل إيجابياً، بحسبان أن ثقافة الطعام تعدّ علامة إيجابية على الصحة العامة للإنسان والمجتمع، خاصة إذا اقترنت بالعادات الصحيحة وابتعدت عن الممارسات الضارّة؛ وذلك على عكس المؤشّر الثاني، فازدياد الصيدليات والمختبرات وعيادات الأطباء، دليل أكيد على وجود أزمة هي من أخطر الأزمات في حياة المجتمع.
الحلقة التي أرى أنها مفقودة في حياتنا كعراقيين، وأجد أنها يمكن أن تُعدّل المؤشّر الأوّل وتجعله إيجابياً بالكامل، وتقلل من المؤشّر الثاني وتُبطل سلبيته؛ هي ثقافة الترفيه، فالحياة في العراق تفتقد لثقافة الترفيه، ولا أتحدّث عن وسائل الترفيه وأدواته وأماكنه، فهي موجودة وإن كانت ليس بالمستوى الذي ينسجم مع حاجات العراقيين.
الفرق كبير بل شاسع بين أدوات الترفيه ووسائله، وبين ثقافة الترفيه، في ظلّ الثقافة يتحوّل الترفيه إلى ضرورة من ضرورات الحياة اليومية، تماماً كما هو الحال مثلاً مع الكهرباء والماء وغيرهما، فكما تخصّص الاسرة العراقية مبلغاً شهرياً لمولدة الكهرباء والماء النقي الصالح للشرب، هكذا ينبغي أن تفعل مع الترفيه، إذ تخصّص له مبلغاً شهرياً، وأوقاتا محدّدة يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية، وبرامج لأفراد الأسرة جميعاً.
الترفيه خاصةٌ إنسانية تحتاج إليها النفس بصرف النظر عن الجنس والعمر، فالمرأة تحتاج إلى الترفيه كحاجة الرجل إليه، إن لم تزد عليه، كذلك يحتاج الأطفال إلى الترفيه في مراحلهم العمرية جميعاً، ما زلتُ أذكر بهذا الشأن عادة جرت عليها اسرنا في كربلاء، لم أستوعب مغزاها إلا بعد سنوات طويلة، إذ كانت كبيرة الاسرة تأخذ الطفل الوليد في يومه السابع، وتطوف به شوارع كربلاء، بهدف التسلية والترفيه، إذ ان حاجة الطفل للترفيه حتى وهو رضيع لا تقلّ عن حاجة الكبار لذلك، لأن الترفيه يطول النفس ويدخل عليها البهجة والسرور، ويدفع عنها الملالة والضجر.
وفي عاداتنا الاجتماعية تجد الرجال يمنحون أنفسهم أوقاتاً تكاد تكون يومية، للراحة والاستجمام مع الأصدقاء، والزملاء والمعارف، ويُحرم من ذلك النساء، وهذا من أشدّ أنواع الظلم واللؤم.
أخيراً، كما أن الترفيه هو ثقافة وضرورة حياتية، فهو بحاجة إلى وسائل وأدوات وأمكنة، والمؤسف أن الحياة العراقية لا تزال تفتقر إلى الاثنين معاً!.