دهشة الرحلات

ثقافة 2021/05/20
...

  حبيب السامر
وسط الالتماعات البارقة في ذواتنا، تنمو دهشة الأشياء، وتستدعينا لنؤرشف لحظات الكتابة في حيز الورق، ونستدرج الحروف في صفحة بيضاء، تلك هي نشوة التوق لتصوير اللحظة المباغتة في حاسوب صامت، كقوة تستل الكاتب من مكانه وتأخذه الى جوهر الوقت والفكرة الهادئة، بعيداً عن الضجة المفتعلة، تشتعل الومضات الدافقة لتخترق اللاشعور، هذه هي منظومة السلوك الداخلي التي تتناوب في صنع مفهوم الحركة الجمعية للذات المبدعة.
هل فكرت في الكتابة عن رحلات منسية، أو جولات تختصر الزمن في لحظات خاطفة، وما ينتابها من تداعيات، من لحظة التصميم على تنفيذ فكرة الرحلة، مكانها، زمنها، برنامجها، التخطيط للعودة؟.
كنا قد دعينا إلى مهرجان أروند للفنون والآداب ــ قصيدة النثر العربية، والذي أقيم في  مدينة عبادان عام 2015، وبعد حضور جلسة الافتتاح، وصلنا الى اليوم الثاني، وكانت مخصصة لمناقشة عدد من القصائد في (ورشة حوارية) استهلها الشاعر الدكتور (جمال نصاري) بالحديث عن (قصيدة النثر العربية في عبادان والأحواز)، وعندما جلسنا ذات مساء في بيته، وزّع علينا مجموعة قصائد لشعراء من مدينته، الجميل في الأمر، كنا نقرأ القصائد وندون ملاحظاتنا، وأغلب الشعراء والشواعر في مكان جلستنا، قرأت قصيدة لأحد الشعراء الشباب وقلت ملاحظاتي، وهو يستمع بكل محبة واصغاء، ثم جاء الدور لنص في يدي لشاعرة من المدينة ذاتها، قرأت النص مرة، مرتين، كنت أتوقف كثيراً أمام طريقة كتابة النص، مفرداته، حكائيته، وأقارنه بالنص الذي سبقه، وكان الأصدقاء في الجلسة  ينتظرون رأياً في  ذهول متكرر وأنا  أتابع  سطور 
النص. ابتسمت وقلت: أصدقائي، خلال متابعتي للنصين، ألمس أن كتابتهما في جو واحد، وأكون أكثر صراحة، لقد كتب النصان تحت سقف واحد. واعتذر لصراحتي!
 المفاجأة الأجمل.. حين جاء الرد أن الشاعر والشاعرة زوجان، وحتما يحدث تواشج وتقارب بين النصين لأنهما كتبا في بيئة وثقافة واحدة. استغرب بعض الأصدقاء وكانوا يتهامسون.. وكيف عرفت ذلك؟
حتما، للنصوص نكهتها، والتمييز بينها مثل بائع العطور، يعرف العطر عن بعد، أو مثل صنعة النقد لدى بعض نقادنا عند غورهم في تلابيب النص، على الرغم من عدم اشتغالنا في مضمار النقد ولكن لنا رؤيتنا ومداركنا بحكم الخبرة والتجربة.
كما يقول باشلار في جماليات المكان (اننا نطالب من قارئ الشعر ألا يعتبر الصورة الشعرية كشيء أو بديل عن شيء، بل ان يقتنص حقيقة خصوصيتها). 
وتوالى ذلك في مهرجان الفجر والسلام الدولي للقصيدة النثرية، كان تجمعاً ثقافيا جميلا، بسعي ومثابرة من الصديق الشاعر نصاري الذي حاول أن يؤسس لجماعات تعنى بقصيدة النثر لتقف بالند من القصيدة الشعبية السائدة في مدينته.. وفعلا، استطاع أن يكرر التجربة أكثر من مرة وبمشاركة بعض الشعراء العرب، وبجلسات شعرية وزيارات 
متعددة.
 المشاركات الثقافية الخارجية تعنى بالجانب الإبداعي كون المشارك يمثل بلده، ولكن في الآونة  الأخيرة هناك مشاركات لأنصاف الشعراء والشواعر، وربما هناك من يزج بنفسه في أتون الشعر وهو خارج مدياته، يشارك بصفات متعددة لكنها لا تمت للثقافة والشعر بأية صلة. وللأسف هناك، وأقصد في الخارج من يحسب أن هؤلاء هم الصفوة الثقافية الخالصة، وبهذا يسيؤون لبلدهم وسمعة مبدعيه.
حين حملت حقائبي، لم أدخر جهدا كي أضع عطرك، وكتابك الذي لم نكمله بعد، كان زادي في كل الأمكنة  التي زرتها، أتشمم رائحة المكان وأتخيلك ماثلة أمامي كالقصيدة!