ساحرات ومشعوذات على موائد الأطفال

ثقافة 2021/05/25
...

  د.نصيرجابر
 
عادة ما ترتبط مفردة (سحر ومشتقاتها ومرادفاتها) مع حقل المرأة الدلالي الخاص بالجمال والفتنة والاغواء فهي- أي مفردة سحر- عنوان عام تقترن به مجموعة من المفردات الأثيرة التي تحاول أن تدنو بدقة وعفوية  من صفات المرأة المعنوية والمادية فهي: ذات حديث ساحر أو ذات ابتسامة ساحرة أو ذات عيون ساحرة أو قوام أخاذ ساحر..إلخ.
وهذا التلازم الدائم ما بين المرأة ووصفها بالسحر مصدره أما العجز عن ايجاد مفردات وتراكيب دقيقة من وجهة نظر الواصف لا يمكن أن تقترب من الحقيقة؛ لذا يلجأ إلى حل سهل ومريح وهو اختيار مفردة فضفاضة واسعة المعاني غامضة وجذابة ومؤثرة يلصقها بكل ما يراه لا يوصف، فيقول (ساحرة - سحرية - مسحورة) أو قد يكون مصدره المبالغة في الوصف لغرض زيادة التأثير على المتلقي أولا ولتسويغ التهويل من قبل الذات المنتجة للقول ثانيا.   
وأنا هنا لا أريد أن أتحدث عن سحر المرأة وجمالها الأخاذ بل عن (عقدة) اجتماعية و(بؤرة) بشرية دائمة النمو والتكاثف عبر العصور تمتد وتتشعب في مفاصل الذاكرة الجمعية وتحتاج إلى مجلدات ضخمة لفك  أسرارها العميقة ومتابعة مساربها المتعرجة وأسس تكوينها السحيقة وهي تلك العقدة التي (تشيطن) المرأة وتجعلها قرينة دائمة مع أعمال السحر والشعوذة أو الشعبذة كما يقول ابن خلدون.
والغريب أن هذه العقدة الغريبة لا تختصّ بها ثقافة محدّدة بل تكاد تكون موجودة في إرث الشعوب كلها وهذا ما يفسر ظهورها في كثير من نتاجها الشفاهي أو المكتوب كما يؤشر وبوضوح على نمط العقل الذكوري الذي ركب هذه المنسوجات القولية، ومن أهم تمثلاتها المهمة ما كنا نسمعه في حكايات ما قبل النوم، وما نراه في أفلام كارتون المخصصة للأطفال التي من المفترض أن تكون ذات أهداف تربوية واضحة وبعيدة كل البعد عن الدسّ والتلميح غير البريء، فقد ارتبطت لدينا مفردة السحر مع تاء التأنيث، فهناك دائما ساحرة ذات ملامح مخيفة غالبا ما توصف بأنها عجوز شمطاء ذات أنف معقوف ومعها دائما مكنسة تطيرعليها في الخرائب الموحشة والغابات المظلمة لتنشر الشر والفتن بين الناس.
في مسلسل الأطفال الكارتوني الشهير (مغامرات سندباد) وهو انتاج يابانيعرض لأول مرة عام 1975 واستمر حتى عام 1976، ومن اخراج (فوميو كوروكاوا) واعتمد على قصة من تراث ألف ليلة وليلة نرى شخصية شريرة هي (ميساء) الساحرة تزرع الفتن والمقالب طوال (52) حلقة من حلقات المسلسل الذي جذب أجيالا كثيرة من الأطفال في العالم كله. 
ومثل هذه الساحرة تظهر في المئات من أفلام الكارتون والقصص المصورة بـ (كاركتر) واحد تقريبا (ساحرة)  و(مكنسة) الرمز الذي يرتبط بعمل المرأة الرئيس (التنظيف) بحسب ما يراه المجتمع..
ولعل مشاهد الساحرة في (توم وجيري) الكارتون المعروف عالميا من أوضح وأشهر هذه 
المشاهد. 
إنّ ترسيخ هذا المفهوم الغريب والمتناقض في ذهن الأطفال أمر خطير جدا ولا يمكن تسويغه بأي حال من الأحوال لأنه سيزرع داخل التكوين الوجداني للطفل نبتة سامة قد تنمو معه وتلتف  حتى تورق كراهية وبغضا  نحو المرأة التي يجب أن تقدم في أبهى صورها الانسانية 
النبيلة.