الهيمنة العاطفيَّة

ثقافة 2021/05/25
...

ابتهال بليبل

في مساحات ساعدت النساء على مشاركة قصصهن داخل مواقع التواصل الاجتماعي، تعرّفها بعض النسويات بأنها مرحلة الوصول إلى {الموجة الرابعة من النسوية}، بينما تجادل أخريات في ذلك. لكن لماذا هذا الجدل؟،
تبدأ قصة {الموجة الرابعة} بوسائل التواصل الاجتماعي عندما أفصحت النساء عن جوانب متعددة من حياتهن لتوثيق انماط سوء السلوك، ثم تابعن على الفور، ردة الفعل التي بدت ذات معنى ودفعت إلى إطلاق حملات لزيادة الوعي.
تلك الحملات كانت مختلفة وتمحورت حول تعقب الأخبار المتعلقة بالنساء ونشر صورهن، بينما راحت غيرها تعنى بدعم أجساد البدينات وتنادي بالسياسات النيوليبرالية والتمييز الثقافي بين الجنسين والخ. 
قد تكون هذه اللمحة العامة عن الأدبيات الناشئة للموجة الرابعة كما وصفتها خبيرات (بأنها أسئلة تتعلق بحدود المادية، والتحول من أنا إلى نحن). وقد تكون عودتنا للنشاط النسوي جزءا من الموجة الثانية أيضاً.. وشئنا نحن أم أبينا (فإن استخدام التقنيات مثل وسائل التواصل الاجتماعي قد سمح للنساء بمشاركة العالم في خبراتهم وتجاربهم وكأنه خطاب عالمي)، لذا فهو -بلا شك- يشبه بداية الحركات التحررية العالمية.
إن تكرار السرد حول العنف والسلوك الجنسي والعمل وتقنيات الاتصال ولكل شيء يمكن رؤيته على أنه تسليع يُحركه السوق تجاه المرأة. يُخرج الموجة الرابعة من الفرض العام- المرئي إلى ثقافة استدعاء الموجة الثانية من النسوية التي لها قصة وإطار تحليلي وسياق. 
فما نشهده اليوم من تزايد بعدد الحركات القائمة على الأجندات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية - ما هو إلا من ضمن توجهات الموجة الثانية. والنتيجة، إذن، هي توسيع التكرار - عبر الانترنت - للعودة إلى حياة النساء اللواتي طالبن بما نادت به الموجة الثانية نفسها من حقوق وعمل وتعليم وسعت في مقاومة الاغتصاب والعنف المنزلي. 
إنّ فك الموجة الرابعة عن الثانية يدفعنا للتركيز في وجود العولمة والتعبئة التكنولوجية والاستجابة السريعة كأنها جزء أساس من الحركة النسوية، لكنها في الوقت عينه، تنظر إلى حتمية ترابط التفاوتات الثقافية ببعضها البعض، كما تردد دوماً النسويات المعارضات لفكرة وجود موجة رابعة.
ولأني اتفق مع فكرة المعارضة، أجد أن وسائل التواصل الاجتماعي، ما هي إلا طريقة محددة لاستمرار حركات نسوية تختزل مقاومتها في مساحة الإنترنت فحسب، وسواء انبثقت منها موجة جديدة أو تحاول استعادة سابقتها، فإنها تعزز بشكل ما الاضطراب الثقافي وتنشأ مجتمعات جديدة أو بمعنى أدق (شليل أو كروبات).وهذا في العادة يتضافر مع فكرة استخدام (ترند) التي تعنى الرائج أو المنتشر بين الناس على شبكة الإنترنت. لكن الأكثر قلقاً هو أن استغلال (الترند) يعيد إنتاج الهيمنة العاطفية التي تبتعد عنها الموجات النسوية الأخرى، وخاصة تلك التي تأخذ الخطاب الأكاديمي في الاعتبار، ومن ثم فإن التصويت عبر (الترند) لا يعني بالضرورة الابتعاد عن تسليع النساء لأنه يعتمد بالأساس على وجهة نظر مادية (عندما يكون اتجاه الترند أو التصويت هابطاً أو صاعداً). 
لذا، فقد لا يمكننا بسهولة أن نحدد ما يتم طرحه على أنه {موجة رابعة} ولكن ربما يمكن أن نكشفمن دون تجاهل أقصى درجات الاستقطاب بين الآراء المؤيدة والمناهضة.