التجريد التحتي لبنية النص الروائي

ثقافة 2021/05/25
...

  محمد يونس
من الشروط الفنية لتنصيص قد يكون هناك تراكب بين البنية الظاهرية للمتن النص الروائي والبنية العميقة، لكن يكتمل بعد المتن النصي اذا ثلثت البنى وكانت هناك بنية معمقة تأتي آخر بنى التراكب، وهي رغم أنها بنية موصفة وليست مدروجة في الاعراف الفنية لبنية الرواية، لكن تطورات الكتابة قد اوجدتها بشكل ما، فاذا تقرأ رواية يوسا - في مديح زوجة الأب ــ تجد الصفة العرفية للواقع قد جردت للتوافق مع حيثيات النص الروائي،
 
واذا تقرأ روايات العراقي نصيف فلك، تجد حضور البنية المعمقة مفعلا، إذ تجد التجريد للواقع قد بلغ اقصى حدوده، فما معنى أن يأتي رجل الى البيت فتسأله امرأته عن يده، فيجد انه قد نسي يده، وعاد مكدودا بدونها، ويا ترى كم بقي من نسبة الواقع، وماذا تبقى من البنية الظاهرية غير ما لابد أن يكون، واذا حكمنا منطق البنية الظاهرية فاليد الغائبة لابد أن تكون موجودة وسليمة، واعتقد التنصيص الذي اعنيه ليس من السهل توفره بشكل عام الا حسب الفكرة القاصرة التي طرحت عن التنصيص بأنه تأهيل نص الى نص اخر، ونعم نقر بذلك لكن نسأل عن الكيفية والتأهيل الفني كيف سيكون؟، وأعتقد ذلك التفاوض مع القبح ليكون مضمونا جماليا، وهذا المفصل المهم تنبهت له الرواية بعد أن ادركته السينما وطورت الفكرة بالشكل المثير والمتميز في اغناء البنية المعمقة، وصراحة تجاهله الكثير من كتاب الرواية العربية، واعتبر على أنه مزحة ساذجة وليس قيمة فنية ملفتة للنظر، وربما تنبه بشكل مبكر فيكتور هوغو الى ذلك في رواية أحدب نوتردام، فوظف القبح ليعكس لنا مضامين اخلاقية وجمالية ايضا، وذلك التبكير المهم لم يدرس بشكل 
مناسب.
تشكل روح العصر مثالا اعتباريا في صيغ الكتابة السردية، فاذا فقدت روح العصر فقد ركن مهم، والتحول عنه من الممكن أن يغير صفة التنصيص الى صفة التجبير، حيث الثانية هي تهتم بأمثلة الواقع سواءكان حاضرة او مكتسبة من الماضي، او يكون لها تصور مستقبلي وصفي، في حين السابقة لها وهي صفة التنصيص تهتم بوحدة زمن حية لكنها تحول تركيبا الى اخر، وتجعل الخيال بتركيبته المتصورة يحل بدلا من تركيبة المخيال المعرفة والحقيقية، والتي تلاءم التقرير اكثر من الروي، وانموذج الكتابة الروائية للأسف مازال يتعكز على على آليات الماضي بوصفها صيغ الحاضر، ومؤكد سيخسر كاتب الرواية وليس المؤلف المسؤول ما هو مهم لبنية روايته المفترضة وليست الكاملة التوصيفات، وصراحة الرواية مرت بمنعطف كبير، إذ استغلت اكثر من اي جنس، وصارت موضة العصر في زمن ما بعد الحداثة، فهناك من يكتب داخل ذاكرته، وهناك من يكتب رافضا فكرة موت المؤلف، ولا بد أن يبسط سلطته كليا على المتن الروائي، ويفرض على التلقي الواعي أبااذا افترضنا أن التلقي العام قد ازاحه التاريخ، وذلك جدل عقيم، وهناك من يبطش بالفن ويمتن أفق الحكاية الى حد الترهل ويناور القارئ شخصيا، وقلة هناك من يدرك أن الفن الروائي أدب يعكس وجهة نظر مختلفة عن الحياة، ولذلك اولى به الاهتمام بالصيغ الفنية، وينتبه الى الكيفية التي يتناول به التراكيب ويحولها من صيغة زمنية الى اخرى، وللنظر افق تاريخ الرواية فهناك كم واسع، ولكن هناك قيما رسخت وكثيرا قد محيت، واود أن اورد احد الامثلة المهمة التي محاها الزمان، إذ يعد رودريكن اب روحي لرواية الشكل الحديث، والتي برع جيمس جويس فيها، فجويس نفسه يعترف بفضل رودريكن ويقر بتأثيره على اسلوبيته في الكتابة الروائية، وهذا الاعتراف مدون في احد الكتب عن الرواية، لكن تاريخا طويلا من تفاعل الرواية العربية بعيدة عنه، فروايات امبرتو ايكو نلمس مضامينها في اعمال دان بروان، ولسنا هنا ضد فكر معين اذا تمكن من هضم المضامين الروائية وادرك ابعادها النظرية، وفهم أن الرواية هي لعبة مضامين مختلفة في تركيب بديل تؤهله البنية المعمقة عبر صفة التنصيص، إذ يكتسب البديل ثوب سابقه، كما اكتسب جويس ثوب رودريكن ودان براون اسلتهم ايكو وانبهر بثوب السحر والتاريخ لديه، والرواية وحدة فن خلاقة تمكنت من جعل القبح جمالا، وهذا يعني كفاءة كتب السحر الكثيرة التي قرأها امبرتو ايكو قبل أن يكتب روايته عن السحر، وهي تلط الطاقة التي يمكنها من تحقيق ما يعجز عنه كاتبها، فهناك من استعان بالرواية لتجميل صورته البشرية، لكن توماس مان على عكس ذلك استثمر تشويهها في روايته الشخصية – ال بندبروك- كي لا تكون سيرة ذاتية لعائلته، وتلك هي المهارة الحقيقية للفن الروائي.