الكُتّاب الروس العظماء الذين أحرقوا أعمالهم

ثقافة 2021/05/26
...

  فاليريا بايكوفا
  ترجمة: شيماء ميران
دعا الروائي ميخائيل بولغاكوف، كاتب رواية (السيد ومارغريتا)، ذات مرة إلى عدم حرق المخطوطات، لأنه كان يعلم ما يتحدث عنه. واختار أن يُتلف بعض اعماله لإثبات اعتقاده ان الابداع الادبي متأصل في اعماق الكاتب أكثر من مجرد كتابته على الورق.
ولم يكن وحده من قام بذلك، فهناك قائمة بالكتاب الذين اشتركوا معه بذلك، وعاشوا في ازمان مختلفة، واختاروا حرق اعمالهم ايضا بعد قراءتها.
 
نيقولاي غوغل
عانى كاتب (يوميات المجنون) من تقلبات مزاجية طوال حياته، وكانت اعماله الغريبة مثل (الانفاس) او (المعطف) لها بهجة ونشوة، ولكن سرعان ما تتبدل إلى إحباط وقلق.
في البداية، تم تصوير أعظم ابداعاته «الارواح الميتة» على انها ثلاثية. وكان التحدي الادبي فيها عبر رسم صورة متعددة الاوجه لمجتمع يلبي مطالب روسيا كلها. وكانت القضية هي فشل غوغل في سعيه إلى الكمال بالارتقاء للمستوى العالي الذي وضعه لنفسه.
شهد الجزء الاول من «الارواح الميتة» ضياء النهار في العام 1842، وتلقى الآراء المختلفة. وحين ربط الصحافي (كونستانتين أكساكوف) غوغل بكل من هوميروس وشكسبير، رده الناقد الادبي (فيساريون بلنسكي) بسرعة بقوله ان شبه غوغل بهوميروس بقدر تشابه السماء الرمادية وبساتين الصنوبر في سان بطرسبرج مع السماء المشرقة وبساتين الغار في اليونان.
وبعد اتهام النقاد الادبيين له بالتشويه المتعمد للواقع، بدأت روايته الساخرة «الارواح الميتة» تبدو بشكل ما غير مهمة بالنسبة له. وفي انتقاده الحاد لنفسه اوضح ان الجزء الاول من الرواية كان اشبه: «بشرفة أضافها مهندس معماري ريفي سريعا إلى قصر، تم بناؤه على مستوى عالٍ». لكن وضعه لأهدافه بهذا المستوى العالي، اوقعه في الفخ.
أما الجزء الثاني من الرواية فكان مُنتظرا بفارغ الصبر. علاوة على ذلك، فقد ذكرها غوغل مرارا حتى انتشرت شائعة سريعة بين اصدقائه بأنه قد أنهى الكتاب المزعوم.
وفي الحقيقة، كان يعاني كثيرا لكتابة الجزء الثاني، ما أثار أزمة إبداعية لديه. وقال: {لقد اجبرت نفسي على الكتابة، ومررت بمعاناة وكان يطغى عليّ الشعور بالعجز، وطالما لم أتمكن من فعل شيء حيال هذا، خرج كل شيء بصورة خاطئة}.
وفي العام 1845، وبسبب اضطرابه العاطفي حرق الجزء الثاني من الرواية، التي استغرقت منه خمس سنوات لكتابتها في المرة الاولى. ولم يتوقف عند هذا الحد واعادها مرة ثانية، فحرق النسخة التي أوشك على انهائها في العام 1852.
وبعد عشرة أيام، عاد إلى الاكتئاب ثم توفي، ويبدو أنه جوّع نفسه حتى الموت بحجة الصوم. ويبدو ان الكاتب فلاديمير نابوكوف كان محقا حين وصف غوغل بأنه أغرب شاعر وكاتب نثر قدمته روسيا على الاطلاق}.
 
ألكسندر بوشكين
يبدو انه كلما كبرت موهبته، كان شكه أعمق، ولكونه النافذة الرئيسة للشعر الروسي، لم يكن ألكسندر بوشكين رجلا خاليا من الشك الذاتي. وغالبا كانت مسوداته مليئة بالصفحات الممزقة، التي لم تكن موجودة قديما، واختار مواجهة هذا الشك بالنار.
لقد قام كاتب {ملكة البستوني} بحرق الجزء الثاني من رواياته الشهيرة غير المكتملة {دبروفسكي}، ومسودة روايته التاريخية {ابنة الضابط} وقصيدته {اللصوص}.
وفي العام 1823، كتب في رسالته إلى الشاعر والناقد الكسندر بيستوزيف: {لقد قمت بحرق قصيدة اللصوص وكانت تستحق}.
ورفع الشاعر الفصل العاشر من روايته الشهيرة {يوجين أونجين} بشكل رباعيات مشفرة. وأحيانا خطط للعودة إلى مخطوطته لاحقا، لكن هذا لم يحدث مطلقا. ويُعتقد أنه أتلف الفصل العاشر لخوفه من الاضطهاد السياسي.
 
ميخائيل بولغاكوف
لقد اعترف بولغاكوف بنوع من السخرية الحزينة في رسالته إلى أحد اصدقائه القدامى: {لقد أصبح الموقد بالفعل هيئة التحرير المفضلة لدي، لأنها لا ترفض أي شيء، وبالقدر نفسه من الاستعداد تستوعب إيصالات عامل التنظيف، والرسائل غير المكتملة، وحتى الشعر!}.
يعتقد مؤلف كتاب {السيد ومارغريتا} أن المخطوطات لا تحترق، وقد صاغ تلك العبارة البليغة بغية إثبات أن ما مكتوب من اعماله محفور أولا وقبل كل شيء في الذاكرة وليس على الورق.
كان بولغاكوف قاسيًا مع نفسه حين أحرق النسخة الأولى من {السيد ومارغريتا}. وكان عنوان الرواية مختلف حينها، إذ أراد ان يسميها إما {الساحر الأسود} أو {المشعوذ ذو الحافر}، وشخصية وولاند باعتبارها البطل المحوري. ويعتقد الباحثون انه لم يخطط لحرق الرواية في البداية، لكنه فعل ذلك في لحظة عندما حضرت الرقابة السوفييتية مسرحيته {كابال المنافقين}. ثم استأنف العمل على الرواية فظهرت مسودة تحت اسم {المستشار العظيم}.
كما اتجه إلى رماد المسودة الأولى للجزء الثاني والثالث من تحفته {الحارس الأبيض}. وكانت جميع مذكراته تحرق بلا رحمة بعد القراءة.
 
بوريس باسترناك
لم يرغب مؤلف {دكتور زيفاجو} أبدا أن يترك إرثا بنهاية الحياة. إذ قام باسترناك وبصرامة شديدة بحرق جميع المسودات الأولى لأعماله، واعتبر أن النص ضعيف فأتلفها بحماس. ولم يشمل ذلك المخطوطات غير المكتملة فحسب، بل الأعمال المنجزة أيضا.
كما أتلف مسرحية {في هذا العالم}، والتي قوبلت بانتقادات شديدة. فضلا عن روايته {ثلاثة أسماء} والتي استغرقت كتابتها عاما كاملا. وتخلى عن المخطوطة من دون ندم لانها ذكرته بزوجته الأولى يوجينيا.
 
آنا أخماتوفا
لقد دمر العديد من الشعراء والكتاب أعمالهم في العهد السوفياتي لأسباب سياسية، إذ كانوا يخشون انتقام الدولة.
فعلى سبيل المثال، وقبل ان تقبل آنا أخماتوفا، (مؤلفة قصيدة «قداس»، التي تصف السنوات المرعبة لتطهير ستالين)، على حرق قصائدها حفظت اعمالها عن ظهر قلب، وقرأت أحدث مؤلفاتها بصوت عالٍ على الأصدقاء ليتذكروها وينقلوها. 
لهذا نقشت قصائدها في ذاكرة أقرب أصدقائها وأكثرهم ثقة، ومنهم أوسيب ماندلسشتام. الذي وصفته بأنه واحد من: أكثر المتحدثين اللطيفين الذين قابلتهم على الإطلاق. 
اما أوسيب، بدوره فقد أُعجب بجمال آنا وشخصيتها وواقعيتها، واصفا ابياتها الشعرية بأنها {لا يمكن إزالتها إلا بالجراحة}.
 
أوسيب ماندلسشتام
هو أحد أعظم شعراء القرن العشرين، كان واقعيًا بما يكفي ليدرك بأن أعماله قد تكلفه رأسه. أجبر على حرق مخطوطات قصائده أو إخفائها أو إعطاء نسخ منها لأفراد أسرته، بغية الحفاظ على شعره.
لكنه ألقي القبض عليه وتم نفيه في العام 1933 بعد فترة وجيزة من كتابة قصيدته الحادة عن ستالين، قال فيها: {نحن نعيش غير قادرين على الشعور بالبلد تحت أقدامنا}.
 عن روسيا بيوند