محنة الهموم المستعارة

ثقافة 2021/05/26
...

د. أحمد الزبيدي 
 
على الرغم من كثرة الجدل النقدي، عن البداية الحقيقية لمشروع الحداثة الشعرية العربية، إلا أنه جدل لم يقطع نزاع القوم، وخاصة بعد تصدر الشعراء قائمة التنظير بشأن المصطلح وتطبيقاته الاجرائية، وكل جماعة شعرية تدعي أنها سيدة المشروع والمنقذ للأمة الشعرية من سبات التقليدية.. غير أنه  بات راسخا في المدونة النقدية العربية أن أدونيس هو من أوائل المفكرين والباحثين الذين وظفوا مصطلح (الحداثة) في كتاباتهم وخاصة في مقدمة ديوان الشعر العربي و زمن الشعر بمعنى أن المصطلح سبعيني الانتشار في  النقدية العربية.. وهذا ما أكده سامي مهدي في كتابه (أفق الحداثة وحداثة النمط) .. 
وأظن أن الإشكالية الرئيسة، في مستواها التنظيري، تكمن وراء الترادف الاصطلاحي بين مصطلحي (الحداثي Modernism  ( و (الحداثة Modernity ( فإذا كان المصطلح الأول يشير إلى (الحركة التي أعقبت الرواد الطليعيين في الفن وفن العمارة، فسيطروا على الثقافة الغربية في القرن العشرين وفي مجال الأدب كانت لها توجهاتها الفكرية والمذهبية التي تلتقي مع الفن في الجذر الفلسفي ذاته) فإن المصطلح الثاني يقصد فعلا إنسانيًّا خلاقا من التمرد المتجدد الذي يتأسس به فعل جديد من الحرية في مواجهة شروط الضرورة العابرة للأزمان.. وفي ضوء هذا التمايز بين الدلالتين ينطوي الفعل العربي على تركيبة ثقافية هجينة تنبع من تصورات شعرية ذات مرتكزات إيديولوجية تحاول أن تنتصر وتهيمن على فعل التنافس الجمالي أو الثقافي. 
ووصل الأمر عند بعض النقاد إلى التحول لما يشبه الرجل الحكيم الذي يسعى لتراضي القوم فأخذ يحدد مراحل حداثية متعددة في الشعرية العربية ويقول: هناك حداثتان وآخر يتحدث عن ثلاث.. وكأنه لا يريد أن يزعل الأقوام المتنافسة. 
والأمر الآخر أن الجهود النقدية انصبت على شعرية النص الشعري الحديث وأسسه الجمالية في حين أن الأمر يتطلب اعتراكا فكريا بشأن الدلالة الاصطلاحية في ضوء شروطها الاجتماعية والثقافية والسياسية ومن ثم يلتفتون إلى المجسات الشعرية المترجمة للحركة 
الجديدة. 
وحين قرأ الناقد العربي وسمع أخبار الغربيين وحديثهم عن (ما بعد الحداثة) وحديثها عن (الفوضى) و (الغياب) و (المحايثة) و (التشتت) و (اللاحتمية) أخذ بنجارة نقدية جديدة ترسم حدود الـ (الما بعد) في الشعرية العربية.. أظن أن اشكالية الناقد العربي هي غوايته بالاشتقاقات اللفظية الاصطلاحية أكثر من جدله وحواره مع المفاهيم الفلسفية ومرجعياتها الفكرية ومدى فاعليتها في الثقافة العربية..