عن الخصال الأخرى

ثقافة 2021/05/27
...

  هاشم شفيق
 
حين ينوي شاعر، كاتب، ناقد ما الحديث عن الشاعر فوزي كريم، سيكون أمام خيارات عدة، تتيح له الإبحار في تجربته الشعرية المتفرّدة، والنقدية المتميزة، والنثرية المتفرّعة، باتجاه الموسيقى والفكر والبحث الأدبي، هذا ناهيك عن اهتماماته المتجهة نحو الفن التشكيلي، كالرسم والنحت، وممارسته لهما بين حين وآخر، ولا نريد أن نسهب حوله كقارئ من طراز رفيع، له معرفة بالتراث الشعري العربي والنقدي والفكري.
لكن حديثي الآخر عنه سينصب هنا، حول شخصيته الفريدة كإنسان لطيف المعشر، ظريف، حاضر البديهية، يتقن قول المُلَح والنوادر، والسخرية حتى من نفسه أولاً، ومن الأصدقاء ثانياً، وكل ذلك يأتي بعفوية متقنة، ومن دون تجريح، فهو نديم من طراز رفيع، يعرف طقوس الشراب كنواسيّ محترف، يسهر ويغني حين تحلو الصحبة، ويمتدُّ السهر حتى الأصباح، يضحك ضحكته الأخاذة حول ما يحدث له من صبوات ومواقف ومُلمّات صادفته خلال مراحل حياته، لم أعرفه يوماً يشتم أحداً بقسوة، أو يتحدّث عن شاعر ما، بأهمية قليلة، كان دقيقاً، صائباً في قوله، برهانه معه دائماً، كسلاح لا يستطيع أحد منازعته عليه، لمقدرته العالية في التحليل، والجدل، ولمقدرته الفائقة في إقناع الآخر، ثم قبول الآخر عن فَهم ودراية، بالتراجع عن رأيه المتزمّت، والمتمسّك به كحقيقة ثابتة، 
لا تتغير أو تقبل الدحض والجدل والمساءلة.
تعرّفت الى فوزي كريم الصديق والشاعر والإنسان المثالي، عالم 1973 حين كان عائداً الى بغداد للتو من بيروت، بعد رحلة من التشرّد والصعلكة والتسكّع، فهو شاعر متشرّب لحياة الشعراء الصعاليك، ومتبحّر في فنهم ومناسكهم ومباذلهم اليومية. 
منذ تلك الفترة وأنا صديق له حتى يوم الوداع الأخير، ولم يحدث يوماً أن حدث خصام، أو جفاء، 
أو إشاحة وبغضاء بيننا، كما يحدث عادة بين الشعراء والأصدقاء 
على نحو عام، فظل فوزي كريم كما هو مُحبّاً للشعر والشعراء، ولجلسات الشراب، والغناء، أثناء تصاعد النشوة في الروح ومداعبتها، فكان دمثاً ورقيقاً في جلسات المقاهي التي جمعتنا، والحانات التي دخلنا لياليها، ما بين بغداد وباريس ولندن، همّه الدائم كان طوال حياته الشعر، والصداقة، والفن.