أخطاء أمجد توفيق الذهبية

ثقافة 2021/05/31
...

 حسب الله يحيى
للوهلة الأولى، يثير عنوان قصص أمجد توفيق (الخطأ الذهبي)* سؤالا ملحا:
هل هناك خطأ يمكن أن يوصف بـ (الذهبي)؟ الخطأ ـ كما هو معروف ـ على ضد من كل ما هو على صواب.
إذن صفة (الذهبي) يفترض أن تقترن بـ (الصواب) لا بـ (الخطأ).. فلماذا لجأ أمجد توفيق الى اتخاذ صفة الذهب وبريقة ونجوميته واكتنازه ليلصقها بـ (الخطأ)؟.
صفحات (الخطأ الذهبي) يفترض أن تجيب عن هذا السؤال الاساس بوصفه عتبه هذا المقال مثلما هو عتبة هذا 
الكتاب.
أمجد توفيق يحدد جنس كتابه بـ (قصص) وله أن يتخذ من فن القصة القصيرة سبيلا لإيصال أفكاره ورؤاه على وفق ما يرى ويعتقد ويفكر ويسأل كذلك.. وهو الامر الذي يؤكد عليه بدءا من الصفحات الاولى الى النهاية.
السؤال شك، والشك بحث عن معرفة، والمعرفة سبيل الى القناعة والبرهان والحكمة العادلة.. وهذا ما نريده من أية قراءة يعتمل فيها الفكر، لا التسلية العابرة ولا الأحداث الميلو درامية التقليدية المنتشرة في الكثير من القصص التي نقرؤها اليوم.
المؤلف مغرم بطرح الأسئلة، والغرام هنا لا يعني الفتنة والهيام؛ وانما مايثيره الوعي ويحتكم اليه العقل وما يثيره من جدل بهدف الوصول الى الحقيقة..
فهل يحتمل فن القصة طرح الأسئلة، أم أن هذه المهمة تكفلها الدراسة والطروحات العقلانية والفلسفية المعمقة؟.
أمجد توفيق لا يريد من استخدام القصة بوصفها مجرد أحداث وشخصيات ترتبط بالزمان والمكان والتفاعل مع الشخصيات الاخرى والمحيط اللصيق بها.
إذن.. لماذا أطلق على كتابه صفة (قصص) مع ان القص فيها يأتي في مرحلة ثانية تلي السؤال الفكري الذي يؤكد ويلح عليه ويستغرق منه جميع صفحات (الخطأ الذهبي).. فهل نعد هذا التوجه خطأ ذهبيا؟
إذا كان الامر كذلك، فإننا نبارك له حكمة هذا الخطأ الذي يتجاوز (مواصفات القصة القصيرة) الى ما قد يوصف بأنه (خطأ) في التعامل مع القصة على وفق تقديم الاسئلة واعتماد الفكر في الوصول الى قيم ورؤى (ذهبية) فعلا.. 
ذلك انه ليس مضطرا الى اعتماد التقنيات والثوابت في تأثيث عوالمه القصصية.. فالفن ابتكار، وكل ابتكار يمكن ان يخرج عن كل ما هو مألوف لا بقصد تحقيق الدهشة المجردة من المعنى، وانما لان ما يعتمل في داخل الكاتب هو الذي يجعله يصوغ كتابته بطريقة تحقق له وعيه وإرادته وحكمته فيما يريد قوله وايصاله الى المتلقي..
من هنا لا نجد في معطى (الخطأ  الذهبي) ما هو خطأ.. يفترض تجاوزه بالصواب، وانما هو خطأ المألوف والمتداول في كتابة القصة، وأمجد توفيق يخرج عن هذا الإطار التقليدي الى اتخاذ الفكر واتقان الحكمة التي تقضي بالقناعة التي تلجأ الى إخفاء ما هو قريب الى ذهن قارئ يتمتع بالقصة.. ومتى ما أحس المرء بالمتعة؛ استطاع ان يعرف ويتعلم ويرى ويكتشف 
الصواب.
الفكر لا يصل بالقهر والعنف والامر والنهي؛ وانما بالتأني والتروي والهدوء الذي يعتمد الرقة سبيلا لإيصال معطيات الفكر.
وهذا ما نجده في (الخطأ الذهبي) وسواء اختلفنا او اتفقنا مع العبارة التي وضعها الكاتب في مطلع كتابه والتي تقول: {الاجابة تقتل السؤال/ الجسد يقتل الرصاصة} وهو مانجد توضيحا وتجذيرا له في صفحات الكتاب، فإننا نرى ان المؤلف يعتمد على كتابة ما يمكن ان نطلق عليه 
(الفكر ـ القصة) وليس (القصة الفكرية) التي قد نجد أنموذجها في مسرحيات برنارد شو التي اطلق عليها صفة (مسرحيات فكرية) ولأنها فكرية، صارت عصية على الإخراج المسرحي وتجسيدها على الخشبة، كذلك الامر في كتابة (قصة فكرية) فالفكر أدلة وبراهين، في حين القصة حلم وطبائع وأرواح ومخيلة متحركة، وحين نتوقف عند الأفكار والرؤى التي جاءت في (الخطأ الذهبي) نتبين أنها إجابات تقتل الأسئلة فعلا بدليل وجود العديد من العبارات التي تعاند الأسئلة وتغتالها في الصميم.. مثلا:
"بالأمل يستطيع الإنسان أن يتألف مع صوت شرير مكتسح كصوت الخوف {ص45 او} يتحقق الخطأ عندما يجد فرصة الانتشار {ص175 او} العلاقات كالمعاني، {كالأفكار إنها مطروحة في الشارع} ص 175 او "-كيف ترى السياسة للمثقف؟ـ 
لا اظنها تمنح المثقف الميزة نفسها التي تتيحها الثقافة للسياسي، فالسياسة للمثقف ضعف" ص177 وسواها من الافكار.
في حين يمكن لنا أن نرى عكس ما ذهب اليه أمجد توفيق، فالأمل وحده غير كافل ازالة الخوف.. الامل يحتاج الى الامان، ومن دون هذا الامان ليس بوسع المرء أن يكون متفائلا..
كما ان الانتشار ليس بالضرورة مقترن بالخطأ تحت ذريعة المثل الشائع {من يعمل عرضة للخطأ}.
الانتشار قد يكون رفيقا لما هو مقبول ومريح ومتاح للآخرين.
كذلك نجد عبارة (النفري) التي تقول بأن {الأفكار مطروحة في الشارع والاختلاف في كيفية اقتناصها وكيفية التعامل معها}..
الأفكار موجودة حقا والاختلاف بين شخص وآخر هو كيفية النظر اليها والتعبير عنها وإذا ما نظرنا الى (علم السياسة) وموقف المثقف منه نرى ان (السياسة) ثقافة، شأنها شأن الادب والفن والاقتصاد والتاريخ والعلوم..؛ لابد ان يكون المثقف ملماً بقدر من الوعي السياسي حتى يكون بوسعه معرفة الحقائق التي تدور حوله بدءا من ثمن رغيف الخبز الى جفاف شجرة، الى فوضى المدينة واحتجاجات الناس.
نعم السياسة ثقافة وليست بالضرورة انتماء.. الانتماء يغتال الحرية في اكتساب المعرفة وتنوعها وتضادها والاحساس بآفاقها.
إذن.. الآراء الواردة في (الخطأ الذهبي) تهيمن على جميع الصفحات وهي هوية هذا الكتاب الذي يختزن ثقافة رصينة ووعياً تنويريا واضحا.. ويتخذ من السرد القصصي سبيلا للوصول الى المتلقي برقة معهودة في حياة منتج هذا العمل الفكري والابداعي المجد والمجتهد.. بعيدا عن الاحكام القطعية والنصائح والحكم الجاهزة والملزمة للآخرين وكأنها قواعد ثابتة يمكن ان نسلم كليا بحقائقها، ذلك ان كل الحقائق عرضة للتغيير وللمناقشة وللقبول وللرفض كذلك..
أمجد توفيق يدرب قارئه على القبول بالصواب والاجتهاد وان كان هذا الاجتهاد قد يؤدي الى اخطاء ولكنها اخطاء ذهبية بوصفها المجد الذي يعمل على صياغة الحياة بمنظور عميق ومعطيات معمقة للواقع المتحرك وعوالمه وصفحاته 
العديدة.
الخطأ الذهبي ـ أمجد توفيق / قصص ـ اصدار دار الصحيفة العربية 
ـ بغداد 2020