الدولة وإدارة المستقبل

العراق 2021/06/02
...

علي حسن الفواز
ادارة المستقبل هي المجال الذي ينبغي التعاطي معه بمسؤولية، وبرؤى تدرك أهمية هذا المستقبل، على مستوى ادارة منظومات التنمية والتعليم والصحة والعلم، وعلى مستوى التخطيط الستراتيجي الذي يهيء البيئات المناسبة لها، إذ يكون المستقبل هو الأفق، والسياق، مثلما هو البرامج والآليات التي تنتظم على وفقها الجهود والطاقات والفاعليات، إن كانت طاقات بشرية أو مادية أو طاقات رمزية.
بناء الدولة الجديدة قد يكون أكثر الرهانات واقعية على المستقبل، بوصفها خيارات للتنمية والعمل والاستثمار، أو بوصفها الجهود الستراتيجية للجماعات والقوى الفاعلة في المجتمع، أو بوصفها الاهداف الحقيقية لمشروعية العملية السياسية، وحُسن ادارتها، فهل استطاعت القوى السياسية العراقية أن تُحقق تلك الأهداف وأن تتمثلها عبر مشاريع كبرى، وأطر تعكس طبيعة التحولات العميقة في مسارات السياسة والاقتصاد والأمن والاجتماع؟.
هذا السؤال هو الجوهر البنيوي الذي يستبطن فكرة الدولة، إذ يعني المستقبل تأسيسا لماهو جديد، ولما تتطلبه حاجات التنمية والعمل والعمران، ولما يجعل مؤسسة تلك الدولة هي الاطار الجامع للعراقيين، بوصفهم مواطنين لهم حقوق وواجبات، وحقوق عامة وخاصة، ولهم مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية تساعدهم في تأمين فرص متكافئة للعيش، مثلما هي الحاجة الى مؤسسات ثقافية  تساعدهم في تعميق روح الانتماء، والثقة بالمشروعية الوطنية، وبجميع الفعاليات الداعمة للتنمية البشرية، ولإشاعة روح المشاركة، والتأهيل المعرفي، والوعي الحقوقي ليكون وعيا عاما، لا يخصّ هذه الجماعة أو الطائفة أو القومية دون الأخرى.
إن وعي المستقبل هو جوهر هذه المسؤولية، والدافع المحرك لجميع الجهود التي تتسنم مسؤوليات الادارة، وعلى مستوياتها المتعددة، إذ يكون مجلس النواب بمستوى استيعاب الحاجات الوطنية، عبر تشريع القوانين الحمائية للمؤسسات السياسية والامنية والاقتصادية والحقوقية، وعبر تنمية الوعي الرقابي ليكون جهدا رادعا لمواجهة الفساد وسوء الادارة، وأن تكون الحكومة أكثر تمثيلا لتنفيذ البرامج والمشاريع والادارة الناجعة للمؤسسات والثروات، وضمن خطط زمنية وبرامج لها جدواها واهدافها الواضحة، وأن تمتلك سلطة القضاء القوة الفاعلة للمحاسبة، ولمواجهة الخلل الذي يحتاج الى الضبط الامني، والى الردع القانوني، والى مشروعية الحماية الدستورية والاخلاقية.
صناعة المستقبل ليست مستحيلة، لكنها تظل دائما عنوانا وتحديا، وخطا للشروع، فضلا عن كونها حاجة دائمة للنقد والتجديد والاضافة، وعلى وفق استحقاقات الواقع، والضرورات القاضية بالتغيير، إذ يكون التغيير قرينا بالاهداف القائمة والمستجدة، وبالمصالح وبضرورات العمل التي هي ضرورات الحياة ذاتها، وضرورات بناء أية دولة حقيقية تريد أن تعزز حضورها في العالم، وأن تملك قدرات الحفاظ على وحدة مجتمعها وحمايته من جميع المكاره الامنية والاقتصادية والصحية، ومن غلواء الكراهية والتطرف والتكفير...