إرث الشاعر بين يدي وعيه .. تأملات في الأعمال الشعريَّة لكاظم الحجاج

ثقافة 2021/06/05
...

 د.علي حداد
 
(1)
رأى الدكتور (حاتم الصگر) ـ في مقالة له تفحص فيها (صياغات أدونيس النهائية) لنصوص دواوينه السابقة وما أجراه عليها من التنقيح، حذفاً وإضافة وتغييراً ـ أن ذلك يعكس الشعور بأبوّة الشاعر المطلقة على نصوصه. 
كما يؤدي إلى تزوير الوعي، بإسقاط إحساسه (المتأخر) على صياغة تجربة منتهية، ويحرج في النهاية القراءات المدونة للنص قبل التعديل. (الصگر، كتابة الذات، ص267).
نستعيد هذه الرؤية وبين أيدينا (الأعمال الشعرية) للشاعر (كاظم الحجاج) التي صدرت عن (دار سطور) ببغداد عام 2017. وضمت مجموعاته الأربع: إيقاعات بصرية، بغداد 1987، غزالة الصبا، عمان 1999، ما لايشبه الأشياء، بغداد 2005، جدارية النهرين، دمشق 2011.
لقد جاءت هذه (الأعمال الشعرية) محملة بشيء مما يضطرب معه التلقي التاريخي لتجربة الحجاج الشعرية المهمة والخصيبة، بسبب ما حفلت به من تدخلات الشاعر في تفصيلاتها، إذ أبعدت مجموعته الشعرية الأولى (أخيراً تحدث شهريار، بغداد 1973)، فلم يرد أي نص منها، مع أنها قدمت الحجاج شاعراً ناضج التجربة. 
وسيلحق بذلك أن المجموعات الأخرى لم ترد في التراتب التاريخي الذي كان لها، فاستهلت (الأعمال الشعرية) بالمجموعة الثالثة (غزالة الصبا)، تلتها المجموعة الرابعة (ما لايشبه الأشياء)، لتأتي المجموعة الثانية (إيقاعات بصرية) بعدهما، ثم المجموعة الخامسة (جدارية النهرين).
وإلى جانب ذلك فقد مرّت بد الشاعر على القصائد داخل المجموعات ذاتها، فأوردت بعضها في غير أماكنها التي كانت لها في الطبعات الأولى، كقصيدة (سليمان الحلبي) التي كانت أولى قصائد (إيقاعات بصرية). 
ولكنها لم ترد ضمنها في الأعمال الشعرية، بل بنصها الآخر الذي أورده ضمن (غزالة الصبا)، مغيراً عنوانها إلى (عبورغزّة)، ووضع لها مقدمة نثرية تشرح موضوعتها، مثلما أجرى بعض التغييرات في أسطرها. 
أما من مجموعة (إيقاعات بصرية) فحذفت قصيدة (برقية أخيرة). 
وكان أمراً لافتاً أن تتغير عنوانات عدد من القصائد أو يضاف إليها مالم يكن لها سابقاً، كالذي جاءت عليه بعض قصائد مجموعة (غزالة الصبا)، فعنوان قصيدة (عين الغزال) أمسى (حكاية العبد آدم وعين الغزال). 
وقصيدة (من ألواح الشاعر) صار (من ألواح الشاعر السومري)، وطال عنوان قصيدة (لقاء إذاعي) ليصبح: (لقاء إذاعي مع العريف المتقاعد حطاب). 
 
(2)
نذهب ـ متمسكين بما قاله الدكتور (الصكر) قبلنا ـلنعدّ أي تدخلات لاحقة من قبل الشاعرعلى نصوصه السابقة تسليطاً لوعي مرحلة جديدة على ما قبلها، ونوعا من الممارسة النقدية التي لم تكن مستحضرة في مرحلة إنتاج النص الأولى.
ولسنا هنا ضد أن يغير الشاعر ـخلال الطبعات اللاحقة لنصوصهـ مفردة هنا أو هناك. ولكننا لانؤيد مسعاه لحذف بعضها وتغيير عنوانات بعضها الآخر، وتقديم مجموعة على أخرى، فذلك على ما نراه ـ 
يؤسس لإشكالية بحثية تواجه من يتصدى لدراسة تجربة الشاعر كاملة، حين يعتمد ما يطبع له مؤخراً تحت مسمى (الأعمال الشعرية) التي لايمكن أن تكون ـ قطعاًـ 
على هيأة مختارات تتيح للشاعر ـ أو سواهـ أن يعيد التصرف فيها. 
إن تجربة الشاعر ـ بشتى تفصيلاتها ومنذ أن وضعت بين يدي التلقي ـ أمست مجالاً قاراً للتأمل القرائي الذي تستوقفه تفصيلاتها وسياقات صيرورتها وما تتشكل عليه.
 وحين نذهب بما مرّ ذكره إلى (أعمال) الحجاج الشعرية ـ التي نفترض أنها ضمت المجاميع التي صدرت له 
سابقاًـ 
فإن ما نبحث عنه فيها التزام تاريخي يسمح بالتوثيق الموضوعي لها الذي يحرص الحجاج مثلنا عليه، بدليل تذييله كل قصيدة بتاريخ نشرها، والمجلة أو الصحيفة التي نشرت فيها قبل أن تضمها أي من مجموعات شعره، وهذا ما لاتضعنا الأعمال الشعرية عنده تماماً، الأمر الذي سيؤدي إلى عدم الاستغناء عن طبعات مجموعاته السابقة تلك التي ربما يكون من المتعذرعلى كثير من الدارسين المتأخرين الاطلاع عليها، والوقوف عند مناسبات النصوص الواردة فيها ودوافع قولها وظرفه، ومكان كتابتها.