الإنسان المثقف.. الوظيفة الثقافيَّة

ثقافة 2021/06/06
...

  عادل الصويري
 
أرجع محمد عابد الجابري الضباب  الذي يلف مفهوم المثقف إلى انتقال المفهوم من الثقافة الأوروبية إلى العربية، من دون الالتفات إلى قضية (التبيئة) التي تجعله {في صورة تمنحه مرجعية محددة}.
ومع هذا الضباب يستمر المثقف أسير الاصطلاحات الوافدة، حتى وإن اجتهد في فلسفتها وتصديرها والتنظير لها، معتمداً على ملكة عقلية، او مهارة كلامية، لكنه يدرك أنه بعيد عن ذاته أولاً، وعن المجتمع الذي أنتجه 
ثانياً. 
هذا من جهة، ومن جهة ثانية؛ سيكون المفهوم ذا مقصدية تجعله (مصطلحاً كريماً يُطلق على كثيرين)، بأمزجة ورغبات مختلفة، وربما طموحات تجسّر المفهوم؛ للوصول إلى النقطة التي تعبر بالشخص إلى ضفة طموحه.
إنّ عملية تقديم الرؤى الناضجة لمفهوم المثقف تحتاج التصارح مع النفس، قبل ممارسة أي دور نقدي، أو التصدي للحديث بشأن مشكلات المجتمع. 
هذا التصارح يضمن عدم وقوع الإنسان في فخ الارتباك الذي نلاحظه على كثيرين يعيشون اليوم صراعاً لم يعد خافياً بين الثبات على الهوية أو التخلي عنها تحت مسميات وذرائع شتى. فالمثقف نتاج بيئته وعليه مسؤولية أخلاقية تحتم عليه النهوض بدوره، يقول غرامشي: {إن كل انسان هو إنسان مثقف، ولكن ليس لكل إنسان في المجتمع وظيفة المثقف}.
هذا النص المعبر لغرامشي يؤكد أن وظيفة المثقف حالة خاصة ولا يمكن ان تتم بالمفاضلة بين عمل فكري أو أدبي وآخر ذي جهد عضلي على سبيل المثال، بل من خلال المكانة والوظيفة التي يؤديها داخل بيئته الاجتماعية وتحديد موقعه في هذه البيئة حتى مع تعدد وتنوع المتبنيات الفكرية بين الإسلامي والماركسي والليبرالي وغيرها من المسميات والمفاهيم التي تضع النخب في خانة التناقض والتطرف لدرجة التراشق وتبادل الاتهامات فهذا تكفيري وذاك ملحد وذاك يدعو لمحو الهوية ونسف التراث وتبني الغرب وغيرها من الحالات التي جعلت المثقفين سابحين في بركة إشكالية كبيرة.
عند هذه النقطة تبرز أمامنا ثلاثية المثقف/ السلطة/المجتمع، وكل عنصر من هذه العناصر بحسب الدكتورة إسعاف حمد: {يمتلك منطقه الخاص، أو نظامه الفكري الذي من خلاله يفكر ويسلك، وتبدو أنظمة الفكر هذه وخاصة في حالتنا العربية المعاصرة متناقضة أشد التناقض، وعندما ندقق النظر نجد أن التناقض بين منطق السلطة ومنطق المثقف هو الأكثر بروزاً، فالسلطة السياسية لا يهمها إلا واقع الحال الآني لأن هذا الواقع هو المحدد لاستقرارها، ومن ثم وجودها. والمثقف كما يصور نفسه انما يتحدث عن مأمول الحال من دون اكتراث كبير بواقع الحال، وكلا الاثنين يتنافسان على المجتمع ومكوناته من اجل اكتساب شرعية الوجود، في صراع واضح للقدرة على التأثير، ومن هذا التنافس على ترويج كل طرف لمنطقه في المجتمع تنشأ الإيديولوجيا بصفتها الخطاب الأكثر قبولاً وإدراكاً لدى فئات المجتمع المختلفة (العامة puplic)}
وبهذه الرؤية تكون الفئات المجتمعية منقسمة ومتأرجحة بين اتجاه يمثل الانحياز التام والكامل للحظة الآنية التي تمثل الواقع المحدد لاستقرار السلطة ووجودها وآخر يبتعد عن هذه اللحظة يمثله المثقفون الذين وجدوا أنفسهم أمام تحولات ومتغيرات ضربت مفاصل مجتمعاتهم لذا فهم أمام مسؤولية ترتيب أوراقهم جيداً وإعادة قراءة أدوارهم برؤى جديدة تتفاعل مع المتغيرات الحاصلة، وليس هناك أفضل من هذا الظرف الزمني لاستعادة المثقف لدوره الحقيقي، شريطة الموضوعية والجدية التي تعيد المثقف إلى وظيفته، وتخرجه من الهامشية والانعزالية، بعيداً عن التراشق بين مجتمع يتهم المثقف بالتعالي، ومثقف يرى المجتمع سائراً باتجاهات تقترب من مسلمات تسهم في إنعاش اللحظات الآنية، ليكون صريحاً أكثر باتهامه لمجتمعه بالتخلف، فزادت الهوة بين الطرفين، لذلك صرنا بحاجة إلى نقد صريح يتجاوز قشور السجالات، لينفذ إلى لب المشكلة.