السرديات التخيلية كـ مفهوم أنطولوجي

ثقافة 2021/06/07
...

  يوسف محسن 
 
تدور معظم دراسات كتاب (الهوية والسرد) لـ نادر كاظم حول إشكالية (الهوية السردية)، كما يسميها بول ريكور، بوصف السرد أحد مكونات الهوية. إذ تتشكل ذوات الافراد والجماعة معاً في هويتهما من خلال تأليف السرديات والحكايات والنصوص والخطابات والممارسات والأشياء، التي تتحول الى مثابات ومفاصل تاريخهم الفعلي. وتشييد تاريخ وبنيات ثقافية تقوده الأجهزة المادية والأيديولوجية في المجتمع. حسب توصيفات منظر النقد والدراسات الثقافيّة والباحث في علم الاجتماع البريطاني ستيوارت هول. الكتاب يطرح منظومة من الاسئلة، هل الهوية السردية مماثلة لمفهوم الهوية الأُنطولوجي، كما هو وارد في الأدبيات الفلسفية؟، ما حدود التفاعل بين الحقلين (الفلسفي - الانطولوجي) في إنتاج مفهوم الهوية السردية؟، وما هي المكونات التي ينبغي التركيز عليها في السرد للتدليل عليها؟، (الزمان، الحبكة، الفعل، الذات) تأسيساً على هذا التصور الأنطولوجي للسرد بوصفه خطاباً متورّطاً بالعالم وبالثقافة بمختلف مؤسساتها وممارساتها الخطابية وغير الخطابية. وهو ما تحاول أبحاث الكتاب التأسيس عليها، نادر كاظم ناقد متمرس في النقد الثقافي له اسهامات متميزة أصدر عبد الله الغذامي والممارسة النقدية والثقافية 2003، تمثيلات الآخر 2004، الهوية والسرد 2006، طبائع الاستملاك 2007، استعمالات الذاكرة 2008، خارج الجماعة 2009، كراهيات منفلتة 2010، إنقاذ الأمل 2013.
الناقد نادر كاظم استند في كتابه إلى المنظومة الفكرية لـ بول ريكور، إذ ظهر مفهوم (الهوية السردية) في خاتمة كتاب ريكور الزمن والسرد (1985) في إطار التفكير في علاقة التاريخ بالمتخيل، بحثا عن سياق عملي يلتقي فيه الصنفان السرديان. كما يقول نادر الهوية هنا ينظر إليها (كمقولة للممارسة)، بمعنى أن تحديد هوية الفرد أو المجموعة يتوقف على الجواب عن سؤال: من فعل ذلك الفعل؟ ومن هو الفاعل؟، والسرد من حيث هو تأليف لمتنافرات تحدث في العالم يجمع بين أشكال السرد التخيلي كالقصة والرواية، والحقيقي كالتاريخ، وكيانات مشكلة كالهوية، وأنظمة ثقافية ناشطة كالأيديولوجيا. فمعنى السرد أو دلالته ينبثق من (التفاعل بين عالم النص وعالم القارئ)، وذلك لأن السرد هو وساطة بين الإنسان والعالم)، ويرى أن ثمة جماعات لا تتمثل وجودها التاريخي الخاص إلا من خلال سردها الخاص أو تحبيكها الخاص لتاريخها الثقافي، وهذا التحبيك هو بالمقابل ما يدعم هويتها، وهو ما يكون حسها ووعيها السرديين. إذ إن الكتاب يسعى إلى كشف أهمية رصد تحولات الهوية تبعا لواقع يتشكل من خلال تبدلات ثقافية واجتماعية وسياسية، العلاقة بين السرد والتاريخ والزمان تنظيم وترتيب للأحداث والأفعال السردية، والتي هي الأكثر قدرة على جمع عناصر الهوية المتنافرة والمتباينة في وحدة منسجمة وذات حبكة مترابطة كما يرى ريكور، من دون أن تكون توثيقا لتاريخ معين بقدر ما هو انعكاس له وإعادة قراءته ثانية من منظور جديد. بول ريكور الذي يعتقد أنها ظاهرة تكشف عن البعد الإنساني في كل الفنون الأدبية من سرد وقصة وحكاية وشعر. يقول كاظم نادر في كتابه (ان سؤال الهوية يتصل إذن بالممارسة السردية من وجهين متلازمين: الإنسان الذي يكشف عن هويته من خلال ما يحكي عن حياته والقصص المروية من حيث هي أجناس سردية تتمحور حول الكتابة التاريخية والإبداع المتخيل، الذات التي تصنع التاريخ، أي تخرج إلى دائرة الفعل المتحول، ولا يمكنها في الآن نفسه أن تكون فاعلة في التاريخ من دون روايته وسرده).
يدور القسم الأول من كتابه (السرد والهوية) حول مدار النظرية بما هي تنظير وتأسيس لمفاهيم نظرية، وكذلك بما هي محو للفواصل القديمة بين أنواع الكتابة وأنواع الخطاب المختلفة. في ما كان مدار القسم الثاني على الممارسة بما تشير إليه من تطبيق لما تم تأسيسه في القسم الأول، وأيضاً إلى محاولة الدخول في نقاش مع حالات خاصة من ممارسة النقد الثقافي في سياق الثقافة العربية الحديثة. يرى نادر كاظم ان السرد هنا يتجاوز دلالته التقنية في إشكال السرد التخيلي (كالرواية والقصة والملحمة) ليعبر عن مفهوم أنطولوجي. والسرد ليس قرين الوجود فحسب، بل هو الشرط الضروري لهذا الوجود، وهذه الطبيعة السردية هي التي تميز الوجود الإنساني عن وجود الحيوانات، وهي التي تميز الأحداث التاريخية عن الأحداث الطبيعية التي تفتقر إلى السردية.