قصائد المراثي الكبيرة..

ثقافة 2021/06/07
...

  وجدان عبدالعزيز
 
الشاعر جواد الحطاب يضع علامات استفهام امام حركة الثقافة العراقية، حينما تناول الشاعر الصابر سلمان داود محمد بعلاماته الفارقة، وكلاهما يعلّمان الصبر من خلال صناعة الموقف. وهنا من الصعوبة بمكان أخذ أحدهما أنموذجا للبحث، وكي أخرج من دوامة الحيرة، أتناول الموقف من حيث المفهوم الاساسي في نظرية التفاعل الرمزي، كونه نوعا من انواع الاتفاق الجماعي بين الأشخاص، اي الاتفاق على اطار التفاعل كالسياق الاجتماعي والتوقعات والهوية، فكتب الشاعر الحطاب نصا بعنوان (سلمان داود محمد)، وترك معطيات للنص قبل وضع النص مكتملا في ذيل المعطيات، في مقابلة لا أجدها منفعلة كثيرا، إنما بإطار الهدوء الذي عهدناه عند الحطاب، ونوّه الحطاب أن القصيدة ليست مهداة لسلمان، بل اسمها (سلمان داود محمد)، فالاهداء هو تعبير عن علاقة ودية أو شكر من المؤلف تجاه شخص آخر، وان الدراسات الحديثة أعطت للاهداء مكانة خاصة، واعتبرته نصا موازيا، واصبح من الضروري الوقوف عند العتبة كجواز، او سمة الدخول للنص، إلّا أن الحطاب نوّه بأن النص ليس مُهدى لسلمان، انما هو سلمان، كما أسلفت، أي أن النص وعنوانه هو سلمان، ليعطي بعدا آخر للنص، وهو البعد الحيادي، فالحطاب لم يتناول سلمان لعلاقة ودية، تثبت الواقعة الحقيقية للنص، تناوله لسلمان جاء لموقف هو بمثابة نقطة التقاء إنساني وروحي، واستند الحطاب لقول محمد العظيم: (الأرواح جنود مجنَّدة.. ما تعارف منها اِئتلف، وما تنافر منها اختلف)، وجملة القول في التفسير الديني تفضي الى.. لقد استقرت حكمة الله تعالى في خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه، وانجذاب الشيء إلى موافقه ومجانسه، وهروبه من مخالفه، ونفرته عنه كل ذلك بالطبع كما يقول ابن القيم رحمه الله، ويرى أن سِر التمازج والاتصال في العالم العلوي والسفلي، إنما هو التناسب والتشاكل، والتوافق، وسر التباين والانفصال، إنما هو بعدم التشاكل والتناسب، وعلى ذلك قام الخلق والأمر، فالمثل إلى مثله مائل، وإليه صائر، والضد عن ضده هارب، وعنه نافر، والمهم في رؤية الحطاب، او رؤية المتلقي من خلال معطيات ما قبل النص أن أمثلة الذات المحترقة في أتون الظروف نفسها هي صائرة الى سر التمازج والاتصال، وهذا ما يوثقه قول الحطاب في ديوانه (سلاما أيها الفقراء): (نتبادلُ – عبر الرصاص – التحايا/ ونسألُ عن بعضنا البعض/ من ماتَ، ماتَ/ ومن لم يَمُتْ/ سيُرَشَحُ للموتِ في الوجبةِ القادمة/ أصبحَ الموتُ مثل كلاب البيوت الأليفة).
فكان اللقاء عبر المرئي وغير المرئي، حتى قول الحطاب الاخر: (هكذا تبادلت معه -عبر الرصاص التحايا- ورفعنا نخب الأسئلة عن الأصدقاء، مع يقيننا بأن الذي لم يمت منهم، سيرشّح للموت في الوجبة القادمة!)، فبقي اللقاء مستمرا عبر نخب الاسئلة.!، فكانت قصيدة الحطاب (سلمان داود محمد)، حاملة لافتة الاسئلة، ولم تحط الرحال في صبر سلمان ومعاناة المرض الجسدي، أو الروحي والبحث عن حقيقة الحياة، فكانت القصيدة على مقطعين: الاول:
(يغدو الزمان طريقا لأسئلتي/ والمكان.. دليليَ في اللا مدى!!) والمقطع الثاني قال فيه الحطاب: (الزمان.. يهوذا/ المكان.. يهوذا/ يهوذا.. أنا/ والعراق مسيح/ يا مفاوز.. نادي غرابك ان يستريح/ كلما طاح وعلٌ/ أقول: وصلنا/ والينابيع.. ريح).
وبين المقطعين بقيت الأسئلة معلقة تتوالد في محنة سلمان وصراعه مع المرض، وصراعه مع الحب السرمدي للعراق، وبقي الحطاب يروي عن سلمان قبل القصيدة: (وذات مرّة جرى حفل لتكريم أحد أصدقائنا من الروائيين، فجاء سلمان ومعه رغيف خبز من تنوّر أمّه العظيمة وقطّعه بيننا، ليأكل كلّ منّا قطعة لنكون «أخوة بالخبز» إضافةً بل أهم من «أخوة بالدم». وكان نصّاً فريداً وصادقاً ومن يدٍ مقدّسة).، فكانت الرؤية الثابتة ان سلمان يبقى يأتلف روحيا مع كل عراقي يحب العراق بجمالية الحياة رغم معاناتها.. ويبقى الشاعر الحطاب يحرك الوجع العراقي باتجاه الائتلاف، وكي تتعارف الأرواح وتبدأ من جديد، أي من سلمان، الذي لم يكن وحده إنما هو مجموعة أرواح متعارفة فيما
  بينها.