بلاغة العلامة والتسليع عبر الخطاب الشبقي

ثقافة 2021/06/08
...

  حسين العبدالله                    
وأنتَ تَسيرُ في الأماكن العامة- تثيرك اللحظات أمامك، وقد تتساءل لماذا مثلا في هذا الركن الخاص بالمكياج النسوي، تظهر صورة ورقية لامرأة تخرج لسانها بطريقة جنسية لتوصله إلى نقطة معيّنة أعلى الفم، وما علاقة هذه الحركة بأحمر الشفاه؟!. 
أو في الركن الخاص لبيع الألبسة النسائية تظهر علامات معيّنة لنساءٍ شبه عاريات، لكنّ المدهشَ ألا تقف هذه العلامة على التعري وحسب، بل إنّ هذه العلامة الصوريّة، تجسيد لأوضاع جسدية مثيرة بحركات بليغة في مقصدها والهدف الذي تسعى إليه، لكن لا أعتقدُ أنك تصورتَ يوماً أنَّ كل هذا هو خِطاب له دوافعه الأيديولوجية التي تقف خلفه وتمَرر عبر الاجتماعي، الحقيقة أنَّ كل هذه العلامات واللحظات التي نَقف أمامها وقفةً قصيرة، كل تلك العلامات التي تستدعي انتباهنا هي خِطابٌ ما، له أغراضه وأهدافه، تلك العلامات التي تُحاكي اللبيدو أو الجوع الجنسي، وأكيداً عندما يكون هذا الخِطاب مستعملا في أماكن تجاريّة وربحيّة فهو خطاب تقف خلفه رؤية خاصة اقتصادية، ومن خِلال هذه العلامات ننظر إلى المرأة على أنها موضوع الرغبة الذي يثير كل ما هَو شبقي، تدفعنا هذه الخطابات الى الجموح في أن نجرب المحتوى وأن نحقق استجابةً بكوننا جماهير متلقية لهذا الخطاب العلاماتي. 
نحنُ إن لم نجرم فنعتقد أنَّ التكوين السيكولوجي هو النواة الأهم لردود الأفعال، وهو المرجعُ الأول في تكوينِ الفعل الإنساني والتفاعل مع المواقف، فما بالك لو كان خطاباً عميقاً كخطاب العلامة يحرك كل غصن في العمق السيكولوجي للإنسان وينقله من صورته الحسية الجامدة إلى صورة ماديّة متحققة عمليّاً أي: من شعور الى ممارسة. إن صناعة الصورة -بوصفها علامة- تتطلبُ قدرة ذهنية عاليّة كي تكون بليغة حتى تؤثر في الجماهير، لذلك تهتمُّ الكثير من شركات التجارة العالمية بمفهوم التسليع والترويج موظفين الطاقات البشرية الماهرة والأكثر حذاقة في صناعة المحتوى، فالتسليع الاقتصادي عبر العلامة الشبقية خطاب يلعبُ على أدق الخلايا الحسيّة المكبوتة، حتى لو كان هذا الخطاب يروج المرأة على أنها موضوع جِنسيّة، وهنا تكمنُ خطورة هذه العلامة، كونها تؤسس الى فكرة.. هذه الفكرة ستكون اعتقاداً سائداً بالوعي أو اللاوعي على أنّ المرأة جسد لذيذ يتحرك، وهذا ما هو متحقق الآن، أما أولئك الذين يعملون كأداة لتسليع المحتوى (المحال والتجار) فالغاية الربحية هي من تتحكم بمحتواهم، لكن الأثر الاجتماعي المترتب على التسليع هو من يسهم بترسيخ الفكرة عند الجماهير المستجيبة للخطاب، فهؤلاء ما هم إلا سلكٌ ناقل للصوت بهذه المقاربة الدقيقة، فهم يعملون عمل السلك الناقل للصوت. 
تعالوا مَعي قَليلا لنفكرُ في تصدير الخطاب الشبقي من هذا النوع (الخطاب العلاماتي)، كيف يمكن أن يوزّع هذا الخطاب وينتشر؟، وما هي حدود استجابة الجماهير وردود أفعالهم؟، فالخطاب عِندما يكون كلاما يُصدر ويوزع عِبرَ الصوت، لكن كيف يوزع ويصدر الخطاب بكونِه علامة؟، سأقفُ تحديداً في إطار الجسد أو بصورة أدق (المرأة) هي القناة الناقلة للخطاب الشبقي.  
الموضة مثلا تتيحُ للمرأة إظهار الكثير من معالم الجسد خصوصاً في المهرجانات الفنية، فموضوعة تسليع المرأة جنسياً عبر الموضة هي فكرة للشهرة، حتى ارتبط مصطلح أكثر النساء شهرة أقربهنَّ للتعري، مما يخلق  استجابة للجماهير وزيادة في عدد المهتمين عبر الميديا، بمقدار إثارة هذه المرأة للجدل عبر التعري، وتصل بلاغة خطاب التعري الى مستوى تأثيرٍ لا حصر لَه، وقد يرتبط اسم المرأة التي تشكلُ مضمون هذا التعري بالعلامة نفسها فيطلق الجمهور عَليها تسمية ترتبط بالعلامة التي تخاطبهم (الفستان - اللون)، فالأكثر تأثيراً في إثارة الجوع الجنسي المتبادل بين الجنسين، ربما يكون خطاب الموضة والأزياء (العارية) دعوة مبطنة للتعري، الذي يغزو المجتمعات ووسيلة باردة سريعة الانتشار لتمرير الانساق الأيديولوجية، ونحن نفترض هنا أن هذه الدعوات تكتسب شرعيتها عبر التلاعب الخطابي، وكيفية كسب الشرعيّة من خلال تأسيس نَظريّات تبدو منطقية على السطح لكنها تحمل مضمراً أيديولوجيّاً في الأعماق، وفي المحصلة تبدأ القيم البشرية بالانهيار البطيء، عبر خلق الصراع بين العقل وهو مركز القيم والروح وهي مركز الرغبة.
فَعندما تتعارض الحرية مع منظومة القيم الإنسانية فهذا يعني أنّ الحرية تحتاج الى حُرية لأنها استعباد، وهنا فنحن أمام إشكالية العلامة بكونها خطاباً يرتبط بحرية الأفراد، والقيم التي تحكم الأفراد كونهم جزءاً من منظومة اجتماعية.