فن النسويَّة البليغ

ثقافة 2021/06/08
...

   د.نصير جابر 
 
بعد عقود طويلة على ظهور الحركة النسوية الحديثة التي هي امتداد طبيعي وتأسيس دائم على تاريخ سحيق وتراكمات طويلة جدا من ارهاصات ومواقف وحوادث وقصص ومقولات شكّلت الخطوة الأولى التي بها ومنها انطلقت المسيرة الصعبة، ويمكن أن نعد بكثير من الجدية والدقّة مقولة الفيلسوف الشهير أفلاطون (عاش 427 ق.م - 347 ق.م) الذي نادى بالمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات هي الإعلان الأول لهذه الرحلة الأزلية.
ومنذ ذلك الحين دخلت هذه الحركة في صراعات فكرية ونزاعات ذات طبيعة سياسية غالبا مع ما جايلها من أنظمة وحكومات وقوانين وأفكار لتتشعّب وتنقسم على اتجاهات وتيارت مختلفة وعلى وفق الرؤى التي كانت تستظل بفكرها وتنظيراتها. 
 ثم ما برحت هذه الحركة أن رسخت قدمها في التاريخ الفكري الحديث وبرزت شخصياتها من نسويات مفكرات كاتبات فيلسوفات لهن مؤلفات مهمة تعد هي الأساس الذي  قامت عليه تنظيرات هذه الحركة أو هي كلاسيكياتها القارة مثل كتاب (الجنس الآخر) للفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار (1908 - 1986)  وكتاب (اللغز الأنثوي)  لبيتي فريدان (1921 - 2006) وكان من الطبيعي والضروري جدا أن تظهر مؤلفات أخرى ذات طبيعة مغايرة تساند هذه الحركة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة،  فهناك مثلا شاعرات نسويات وروائيات وتشكيليات نسويات وفي ما بعد مصورات ومخرجات عند ظهور السينما والتلفزيون، وأنا هنا لا أتحدث عما يعرف بـ (الفن النسوي) المميز والمؤشر تاريخيا والمرتبط مع هذه الحركة بصلات عميقة بل عن فن آخر تماما يمكن أن يصنف نسويا ولكن منتجه لم تخطر بباله قضية النسوية مطلقا، ولكننا نعده نسويا لحظة دخوله حيز هذا الفكر الانساني الخالص وتمثله لمعطيات وطروحات هذه النظرية بطريقة التصريح أو التأويل عبر عرضه لمفاصل تمس حياة المرأة وتعالجها بشكل دقيق وموضوعي وانساني.
ويمكننا الآن أن نسأل كقرّاء أو متلقين نتابع هذه الحركة أي الفنون القولية أو المرئية كان الأكثر دعماً أو تمثلا لهذه الحركة؟.
هل هي الرواية بعوالمها الخصبة وشخصياتها الكثيرة والمتنوعة ومساحة النقاش الشاسعة فيها وتناولها لمشكلات العصر أم الشعر بطروحاته المبهرة ورمزيته العالية وعوالمه الأثيرة وتغنيه الانساني بالمثل والأحلام أم المقالة بتكثيفها ومعلوماتها وتحدديها ووضوحها.. أم أن اللوحة هي الأكثر لأنها تعرض لقطة محنطة للحياة بألوان وايحاءات أو أن الصورة الفوتوغرافية هي الأهم والأنجع لأنها تصوّر الواقع كما هو ويمكن أن تنتقي منه ما هو صادم ومحرض على التغيير.
أم أن السينما هي الأهم بوصفها فن العصر الأكثر جذبا لجمهور عريض من الناس ومن مختلف المشارب والأعمار.؟  
ثم ما هي هذه الأعمال التي يمكن أن نضعها تحت هذا العنوان العريض.. وماهي الروايات والمجاميع الشعرية أو السير الذاتية أو اللوحات.. ومن هم كتابها مع لحاظ أن الاعتساف في لي الحقائق غير مجدٍ هنا أبدا؛ لأن كلّ منتج فني يمكن أن نلمح فيه المرأة.. ونحن هنا نحث على البحث عن ثراء انساني خالص استطاع أن يقترب من المرأة بتفهم وجمال وتناغم 
وعلمية.
إنّ الجزم والتحديد هنا غير موضوعي أبدا فلا يمكن أن نحدّد أي الفنون كان هو الأهم والأبلغ، ولكن يمكن أن نقول إن النسوية هذه الحركة التي ماتزال تتشكّل وتعبر حواجز الحداثة والازمات العاصفة تحتاج دائما إلى فن أصيل قد لا نحدّد ماهيته، ولكن يمكن أن نحدّد أهدافه ومقاصده النبيلة التي ترفع يد الظلم وتنشر التفهم والتسامح نحو قضية المرأة.