الاختلاف المنتج

ثقافة 2021/06/08
...

ابتهال بليبل
أنظر إلى وجوه من حولي وأنا مترعة بكثير من الحزن والخذلان والأسف.. لأنّني أدرك جيدا أنهم لا يعرفون أن بمقدوري تفسير وفهم نظراتهم الشزراء المستغربة، يبدو الأمر لي وكأن عيونهم قد وقعت بالصدفة على شيء غريب ومختلف كما لو أنهم يرونه للمرة الأولى في حياتهم. 
فأحيانا يدفعنا الاختلاف سواء في المظهر الخارجي أو التفكير أو حتى في أسلوب الحياة إلى أن نضع في اعتبارنا نظرة الآخرين لهذا الاختلاف والتنبؤ بما سيقدمون عليه من تصرفات، فهم ربما يبتعدون عن طريقنا أو قد يقتربون منه، وبكلا الحالتين تُطبع في أذهانهم صورة غير نمطية عنا. 
إيما ستون (ممثلة اميركية) في فيلم (كرويلا) (من اخراج كريغ غيليسبي) لعبت دورا استثنائياً أخذني لسؤالها النسوي المهم جداً: كيف تصنع النساء من الاختلاف شيئاً عظيماً؟. 
فالبطلة (إستيلا) حاولت أن تصبح مصمّمة أزياء ولكن بسبب مظهرها المختلف لم تتمكن من ذلك، اذ تعامل كل من حولها معها بعنصرية وتنمّر، وكأن خصلات شعرها التي انقسمت من الوسط لنصف أسود حالك وآخر أبيض ثلجي قد شوّهت وجودها -بحسب وجهة نظرهم-؛ لذا كانت تخفيها بالصبغ أو بارتداء القبعات والباروكات دائماً، بدافع أن تكون مشابهة للآخرين.    
بالطبع أنا هنا لا اتحدث عن تفاصيل قصة هذا الفيلم، أنا فقط أفكّر في الاختلاف الذي يصنع الجمال ويحافظ عليه لأنه ببساطة قوة، تختصرها (إستيلا) في جملة دالة جدا في أغنيتها: (الجمال هو الشيء الوحيد الذي يهم).
ولكن في مقابل هذا الجمال الذي قد يكون مجازياً، نجد عنوانات كثيرة تقاومه منها: النرجسية، النفوذ والسلطة، وأشياء أخرى تحدث في الطريق خاصة عندما يرتبط الجمال بمسألة النجاح، إذ تعيد فكرة التشبّث بـ (الأضواء والشهرة) إنتاج المنافسة في مجتمع الجميلات. في المقابل، نجد أنّ هذه المنافسة قد تكون مدفوعة أيضا برغبة ترسيخ الاختلاف في نشاطنا، خاصة عندما نكون بموقع المقاوم.
بالنسبة لي، المقاومة تستدعي أيضا مساءلة (التفكير)، إذ يهيمن (الذكاء) غالباً على المختلف.. عندما نحاول الحفاظ على الجمال، نأمل وضع المتشابهين على الهامش. لأن الجمال ممارسة ندرك تميّزها عندما نشعر باختلافنا. 
كما أن استمرارية مواجهة المختلف لا تستمر إلّا إذا كان الطرف الآخر مختلفاً أيضا.. ولا يمكن الصمود لأي طرف من المختلفين المتنافسين من دون قناعة ذاتية بهذا الاختلاف وتصديق وجوده. 
وأنا هنا لا أرى نجاح وشهرة (إستيلا) إلّا من خلال اختلافها، هي لم تتطرق إلى ذلك عندما ظهرت بشخصية (كرويلا) ذات الشعر الغريب.. الأسود والأبيض نفسه بلا أصباغ أو باروكات، إنها نجحت فقط عندما تنافست بنزاهة وإنسانية ورفضت استغلال عملها مع البارونة -عدوتها- بل قدمت لها أجمل التصاميم على عكس البارونة التي استعانت بكل شرور الكون – رغم أنها كانت مختلفة أيضاً- كي تزيح (إستيلا) عن طريقها، فتارة تشوه سمعتها بتهم كيدية وأخرى تحاول اختطافها أو قتلها.  
شخصية البارونة ومساعيها في الحفاظ على نفوذها وشهرتها جعل ردود فعلها مشابهة لغيرها ومتوقعة، ومن ثمّ فقدت الاختلاف الذي كان يمنحها الجمال ولم تتمكن من الصمود والمواجهة.
ومن الجدير بالذكر أن رمزية الاختلاف التي استعملت في الفيلم كانت خصبة جدا وعالية التأثير، فقد كان لون الشعر الغريب المتناقض يدل على أننا يجب أن ننتبه دائما إلى من يحملون أفكارا قد تبدو لنا متناقضة وغريبة ولكن -وكما أثبت التاريخ دائما-هم من يصنعون التغيير وينشرون الابتكارات.