يعد المطرب الراحل سعدي جابر الحلي من مشاهير الطرب في العراق، ولم تقتصر شهرته على بلده فحسب، بل تعدت ذلك إلى بلاد الشام ودول الخليج العربي.
ولد الحلي في قضاء الهندية (طويريج) التابع لمحافظة كربلاء المقدسة في العام 1932م، أما تسميته بالحلي فقد أطلقها عليه أحد أصدقائه من الشعراء الشعبيين في أحد الأيام، ثم ما لبثت أن تحولت إلى لقب فني، رافقه حتى رحيله عنا.
بدأ الراحل مقلداً لأغاني أم كلثوم (الطقاطيق) في بداية حياته الفنيَّة، إذ كان دائم الحضور في حفلات الأعراس والمواليد التي كانت تقام في مدينة الحلة. أما انطلاقته الحقيقيَّة لعالم الطرب والغناء، فكانت في أواخر الأربعينيات من القرن المنصرم، وبالتحديد من خلال استوديوهات التسجيلات الصوتيَّة التي كانت شائعة وقتذاك في مدن العراق, ومنها مدينة الحلة.
ويعودُ الفضل الأكبر في تقديمه للجمهور- كمطرب شعبي في تلك المرحلة - للسيّد عباس هادي الوادي, (أبو عامر) من خلال مكتب تسجيلاته في بابل والذي قدّمه عبر مجموعة من الأشرطة الصوتيَّة التي كان لها دورٌ كبيرٌ في شهرة سعدي في بداية مشواره الفني مع الغناء الشعبي.
طور سعدي الغنائي
تميّز الفنان سعدي بطورغنائي كان يجمع بين روحيَّة الأغنية المصريَّة وطريقة غناء الشاعر الملا محمّد علي القصّاب الذي سبقه بأداء هذا اللون. ومما يذكر أنَّ للقصّاب دوراً مهماً وفضلاً لا ينسى في رفد الحلّي بأروع الأغاني الشعبيَّة التي ما زالت خالدة وحيّة في ذاكرة الناس ومنها (يعيني عاين أركاب)، (ابتلينه باليروحون ويردون)، (حبيبي أمك متقبل من أحاجيك) وغيرها, فضلاً عن عشرات الأبيات من الأبوذيّة والزهيري التي صدحت بها حنجرة سعدي, فضلاً عن الكثير من الألحان التي قدمها له التي كان ينسبها سعدي لنفسه.
الحلّي في بغداد
بعد النجاح الكبير الذي حققه الحلي في مجال الأغنية الشعبيَّة، وانتشار شهرته على مساحة الوطن الكبيرة، حاول سعدي أنْ ينتقل إلى مدينة بغداد, لا سيما بعد أنْ عُيِّنَ في الفرقة القوميَّة للفنون الشعبيَّة كمطربٍ ريفي، ثم دخل بعد ذلك دار الإذاعة العراقيَّة في العام 1968, وقد أسهم وجوده في بغداد ببناء علاقات واسعة مع كبار الملحنين الذين أسهموا في رفده بأروع الألحان لأغانٍ جميلة كأغنية (ليلة ويوم) و(عشك أخضر) و(يمته الكاك) و(مسافات السفر)، وغيرها، ومن هؤلاء الملحنين (محمّد نوشي، محمّد جواد أموري, محمّد عبد المحسن، عبد الحسين السماوي)، وغيرهم.
الثنائي القصّاب والحلّي
شكّلت علاقة الشاعر الملا محمّد علي القصّاب بالفنان سعدي الحلّي, ظاهرة فريدة من نوعها في الأغنية العراقيَّة, إذ استمر هذا التعاون لأكثر من نصف قرن, والعجيب في أمر هذه العلاقة الفنيَّة هو أنّ الملا القصّاب لم يتقاض فلساً واحداً من الحلّي جراء هذا التعاون.
مقلدو الحلّي
لقد استقطبت طريقة سعدي الحلّي الغنائيَّة, كثيراً من المطربين العراقيين الذين قلدوه وهو في قمة عطائه الفني، فضلاً عن غناء أغانيه المشهورة في حفلاتهم التي كانت تقام في المطاعم السياحيَّة والجلسات الخاصة، ومن هؤلاء المطربين فاهم الجميلي، وسعدي توفيق، وسعدي البياتي، ومهدي الحلّي، وعبد الحسين اللامي وغيرهم. وما زالت هذه الطريقة تستقطب مطربين آخرين كالمطرب كاظم الكوفي، ومقصد الحلّي وغيرهما.
من أقوال الراحل
«أنا موهبة لا تتكرر, ومدرسة لا يمكن تقليدها، والفاشلون هم من روجوا عني الشائعات الكاذبة».
لقد نجح الفنان سعدي الحلّي في الجمع بين الأغنية الشعبيَّة والأغنية الحديثة, ليخرج علينا بطوره المتفرد, والذي صار به متميّزاً ومعروفاً في عالم الأغنية العراقيَّة. وبهذا الصوت استطاع الحلّي أنْ يستقطب جمهوراً واسعاً, ومن مختلف الطبقات الاجتماعية, ما جعله في مصاف كبار المطربين العراقيين.
رحيل الحلّي
بعد صراع طويل مع المرض, رحل المطرب الكبير سعدي الحلّي بتاريخ 23/ 4/ 2005, وبفقده فقدت الأغنية العراقيَّة, فناناً مبدعاً وعلماً مهماً من أعلام الطرب العراقي الأصيل.
لقد رحل سعدي بعدما كان يملأ صوته الآفاق طرباً وسحراً, ولم يتمكن حتى الآن, أنْ يشغل الفراغ الفني الذي تركه أيّ مطرب على امتداد مساحة العراق.