احتراق

ثقافة 2021/06/13
...

  أحمد مهدي 
 
في إحدى السنوات القديمة حكى لي جدي أن هنالك شمسا حارقة كُلفت من قبل السماء ان تكون بديلة للشمس التي نراها الآن، هذه الشمس الجديدة تَختلِفُ عن السابقةِ بحرارتها القاسية التي لا ترحم أبدًا فهي ثابتة المقياس سواء في النهار او الليل، تتسلى بشوائنا، حتى أصبَحت رائحة الاحتراق تضرب تخومَ المدينة محذرة قدوم كُل زائر او صديق. عَزَلنا هذا الشيء عن المدنِ البقيةِ. ليأتي اليوم الذي نَتَدبّر فيه حالنا، استقر فيه الرأي الموحد بالذهاب الى المحافظ وإبلاغه بما يحصل معنا لعله يجد لنا الحل المُناسب، وبالفعل ذهبنا مجموعة كبيرة تحرسنا رائحة الاحتراق، الغريب في الامرِ ان كل من في المدينة التي يقطِنُها المحافظ قد هاجر عندما انتشر خبر قدومنا، غريب فعلاً فنحن لم نفعل شيئًا...!، تصرفنا على طبيعتنا فقط...؟! المهم إننا وصلنا بعد عناء طويل. اجتمع المحافظ معنا في غرفة خاصة، كان وحيدا بلا مستشارين او نواب، أحببناه كثيرًا فهو مثلنا تمامًا، تحرسهُ رائحة الاحتراق. طرحنا عليه مشكلتنا، بغيةَ الحصول منه على شيء يحمي نساءنا وأطفالنا من الاحتراقِ الكامل ربما.!. كان الحديث جميلا من شخص المحافظ، فلم نكن نود تركه، بالأخص من دون مستشارين او نواب، حتى امتنعنا من مطالبته بإيجاد حل، لنتكفل نحن بحمل هموم سُكان مدينتنا...!، مطوعين أنفسنا لنكون نوابًا ومستشارين له، ندرس بإمعان كيف نقلل من حرارة شمس مدينتنا الحارقة. في حقيقة الأمر، لم يكن جَدي محظوظًا كما البقية، فقد حصل على وظيفة أُخرى غير الاستشارة والإنابة، عمل حارسًا لبناية المحافظة طيلة حياته حتى توفى ودفن في مدينتهِ القديمة (وادي السلام) الى جانب أهله وأحبائه. اما الغرابة الاخرى إن جميع من في البناية التي كان يحرسها هم من المدينة المحترقة نفسها، ليلحقوا به فيما بعد، أما أنا فما زلت آكلا جسدي الذي نضج بفعل الحرارة القاسية، حيث قيل لي إن منصب الاستشارة للمدير العام الجديد يحتاجُ الى ذلك، وأنا أنتظرُ وظيفتي منذُ شهرين، حتى اختفت ملامح شكلي تقريبًا، ابتلعتُها جميعًا..