كتاب زياد جسام

ثقافة 2021/06/13
...

حميد المختار 
 
لا نصادف كل يوم كتابا كهذا الكتاب الذي رأيته في معرض بغداد الدولي للكتاب الدورة 22، انه كتاب الخضرة الذي تتسلقه قلادة الجمال الضاجة بالنضارة والوله، مررت به بسرعة والتقطت صورا مع الفنان الصانع زياد جسام ثم ذهبت وحينذاك توقفت طويلاً مسترجعا الرؤية البصرية التي احالتني إلى حالة من الوعي الرؤيوي قادرة على استبصار أسرار هذا الكتاب، تصوروا معي لو أن هذا الكتاب العملاق له رف ومكتبة، وأية مكتبة ستحتويه غير (مكتبة بابل) وأقصد بها الفردوس كما تصوره بورخيس في إحدى قصصه، في واحدة من قصصي صنعت كتابا شبيها بهذا الكتاب لكنه يخلو من الخضرة والطحالب والاغصان، كلما يختفي (الجد) بطل القصة يبحث عنه الأحفاد في بطون الكتب العملاقة حيث يضيع كلمات مبهمة ورحلات سرية مغادرا إلى حياة سرمدية قادرة على صنع حيوات أخرى من كلمات وسطور وعوالم لاتشبه عوالمنا في شيء، من هذا تتوحد رؤى المبدعين لأنهم يعيشون في منطقة وعي واحدة ولهم المراجع ذاتها، ويعيشون ذات المناخات والأجواء، وقد استطاع الفنان المبدع زياد جسام أن يصنع بمهارة فائقة تكوينا معرفيا تحيطه الاغصان وهو ما يدل على صنع الحياة في أتونه الدافئ، رؤية الفنان اجتهدت كثيرا وهي تصنع عالما كاملا من الوعي والعشق والمعرفة، ربما هو متن الحياة الناطق ان صح التعبير، وهو المتن الوحيد الذي ما عاد بحاجة إلى هوامش تؤطره او توضح مفرداته أو تقود إلى ماهياته إنه الوضوح الذي تقف أمامه محتارا بلا طلاسم او أحجيات مغلقة، كتاب الحياة الأخضر صانع ملاحم الذات الإنسانية رمز الحضارة، في كنهه سر والسر تحمله كلمة، الكلمة في ورقة خضراء، والكعب العريض يختفي تسوره الاغصان، الاغصان بلا أوراق، لكن أسفله اخضوضر واعشوشب كما لو انه لامس مياها ترتفع شيئا فشيئا، الشجرة هي شجرة المعرفة وربما شجرة الخلود الخالية من تفاحة الغواية، فلم تعد للتفاحة غواية إزاء قوة غواية الكلمات، والكلمات لا حد لها وهي مخفية تماما بين دفتيه العملاقتين، ربما يتصور الناظر حين يراه انه عمارة مبنية من قماش وخشب ونباتات طبيعية مجففة ومجسمات بالغة الدقة والمهارة، وهنا هل يتحول الفنان الصانع إلى مؤلف ام وراق محترف يعود بنا إلى بغداد العباسية وسوق الوراقين.. سيظل هذا الكتاب متغلغلا في الذهن وشاخصا حضاريا يبني عوالمه السرية بمواد صناعته وبرؤى صانعه ومخيلته ذات المرجعيات التي وهبتنا محمولات معرفية في متن غير قابل للتكرار او المناورة، الا يسحق هذا الكتاب ان يكون بوابة لمكتبة بغدادية عامرة بالعلم والمعرفة والفن والجمال بدل ان يكون ماثلا في قاعة ستغلق ما ان ينتهي معرض الكتاب؟