الحقيقة المدوَّرة في الكتابة القصصيَّة

ثقافة 2021/06/14
...

  محمد يونس
 
من الطبيعي أن أية حقيقة تاريخية بعد مضي فترة زمنية تتخلى عن حقيقتها بنسب كبيرة وقد تصبح زيفا، ونظرية موت التاريخ صائبة فالتاريخ بعد انتفاء مؤشر الواقعية من خلال انحدار السرديات الكبرى والتخلي عن مواقعها الصغرى تتحول الكثير من الحقائق إلى تصورات عِبر موجه لوجهات النظر، والمؤسف أن الادب يراهن احيانا على زيف الحقيقة الناصعة، أو ما أصبح بتطور المخيال حقيقة مدورة تحتمل التأويل بشكل مستمر، ومثالنا من الواقع العام، فإن في ظروف قريبة أي حادث قد حصل هو يعد حقيقة مدورة من جهة ومزيفة من جهة أخرى، إذ يروى بعدة تصورات، والأدب تعامل مع الزيف وكأنه حقيقة ولا يهتم  لانتفاء مؤشر الواقعية وانعدامها كليا، أو تجد من التزم الحقيقة المدورة عضويا، فقصص (فتى الحروب) شيقة في مضمونها وبلا تعامل افقي مع الحدث، إذ تصعد أنفاس النص إلى أعلى مستوياتها مناورة تلك الحقيقة المدورة، وكي لا تجعلها أرضية وسقفا للمضمون الادبي، زادت من نسبة الخيال الادبي وقللت من المخيال الاجتماعي إلى حد كبير. 
فالقصص أغلبها سعت الى المناورة النصيّة داخل الاطار القصصي للحقيقة المدورة، ونمت الروح الفنية ايضا عبر صياغات حسية تتدفق احيانا لتغطي اطار القص نصيا، لكن أبقت على الحقيقة المدورة نفسها في المسميات العضوية (افران السعدي) معسكر تدريب الحلة (مقهى صلاح، سوق الابلة، فندق دجلة، نهر العشار، دربونة سوق الحبال)، وتقابل تلك المسميات العضوية مسميات أخرى عضوية بصيغ أخرى من مثل – بيرة فريدة – mbc -  والممثل كلين ستوويد، وينقسم هنا بعد الحقيقة المدورة نصيا الى قسمي التوافق النسبي، فالبعد العضوي للحقيقة القصصية توفر في المسميات العضوية العام من أمكنة وغيرها، ويقابله البعد النصي الذي هو وجه علامة استدلال مفتوحة على التطور السيمائي نسبيا، وقد تمكن الأداء الأسلوبي في خلق تقابل موضوعي ونفسي بين المسميات والمحسوسات.
شكلت الحقيقة القصصية في قصص نبيل جميل (فتى الحروب) تجربة ذات عدة وجوه، فهناك وجه مكشوف للحقيقة المدورة في اغلب القص إن لم نقل جميعها، وهذا البعد العضوي للحقيقة التي تبقى دائرية ما دامت تلك المسميات العضوية التي اشرنا لها قائمة، وتنتفي تلك الحقيقة بشكل عام اذا تغيرت تلك المسميات وحلت بدلا منها مسميات عضوية أخرى تلامس الحقيقة إجمالا، لكن هذا أبدته بعض القصص خارج التصنيفات العضوية المسماة، وهناك بعد اخر للحقيقة لامسته اغلب القصص منذ العتبة النصية (فتى الحروب) إذ لامست التاريخ بشكل مباشر، لكن طبعا من خلال اللحظة القصصية، إذ نفصل هنا بين التاريخي والادبي رغم اشتراكهما في بنية وكيان القصة، فالتاريخ مثال للقص في مجاله العام لكن في داخل مضامينه هو مثال للفن او البعد النصي، وتقابلا شكل التاريخ المسرود على وجه الخصوص الحرب مع مضامين عدة اعتراضية اغلبها شكلت صعيدا نفسيا عند الشخوص، وكان كل شخص يعيش ازمات نفسية ناجمة عن تأثير الحرب، واثرها على النفس البشرية ما كان وبوجه واحد بل بعدة وجوه كل وجه له اثره، وكما شاركت الحرب في توسيع مساحة التعامل الجنسي من نوع واحد كما ورد بشجاعة نقدية في احدى القصص، وكما هناك مشاعر متنوعة عن الحرب وما يليها من تأزيم نفسي، وكان لبعض القصص أن ترسم لنا صورة للحرب غير مباشرة بل من خلال التداعيات، ووسعت المضامين من خلال اتاحة النص لنفسه لإبداء تصورات عن اثر وتداعيات الحرب.