الشعراء والفلسفة

ثقافة 2021/06/14
...

د.حسين القاصد 
 
لم تفترق الفلسفة عن الشعر على مر العصور، وليس عن الشعر وحده، بل عن جميع النشاطات الابداعية الادبية؛ ولقد ازدهرت عند العرب أيما ازدهار في العصر العباسي، بعد عن عرف العرب ثقافات الأمم الأخرى؛ تلك الثقافات الوافدة إليهم عبر اختلاطهم واطلاعهم على فكر وأدب تلك الأمم. 
ولقد حمل لنا تراثنا الهائل ارتباطا وثيقا بين الفلسفة والأدب وحتى الطب معاً!، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ابن سينا، وابن الشبل البغدادي، فكلاهما طبيب وعالم وفيلسوف وشاعر، حتى ذهب البعض للخلط بينهما والتداخل في ما ينسب اليهما من شعر، ومن ذلك قصيدة ابن الشبل البغدادي: 
بربك أيّها الفلك المدارأقصد ذا المسير أم اضطرار
وهي القصيدة التي ظن البعض أنها لابن سينا، والبعض الآخر نسبها لابن سينا وأداً لابن الشبل البغدادي ولشعره، لأن الشاعر عاش في العصر العباسي وحايث الإمام الغزالي وغيره من المقربين للسلطة، فضاع شعره لولا أن تم جمع بعض مما بقي منه؛ ومما لا شك فيه ان مجرد الظن في نسبة القصيدة لهذا الشاعر أو ذاك، تعني - من دون أدنى شك - شيوع الفلسفة وانتشارها في ثنايا المتن الشعري العربي؛ كما اننا عرفنا قبل ابن الشبل وغيره،  شاعرا فيلسوفا كبيرا هو ابو العلاء المعري، ووجدنا ملامح الفلسفة واضحة في اغلب شعر ابي الطيب المتنبي لاسيما قصائده التي تميل للحكمة، يقول د.سعيد عدنان: (من الذين عنوا بكتاب الشعر تلخيصاً وتفسيراً، ولم يكن من وكده أن ينظر في الشعر بما هو شعر، وإنما نظر فيه من حيث هو كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وهو رأي يريد من الشعر أن يدعو إلى الأخلاق والفضائل، دعوة مباشرة صريحة، كأي كلام آخر يدعو به الداعون. وهو يختلف عن رأي الفارابي الذي فهمنا منه أنه يريد الشعر مستنهضاً وموجهاً، بأن الفارابي يريد من الشعر أن يقوم بذلك، بما هو شعر أي بما يختلف به عما سواه من الكلام، أي بالتخيل. ورأى الغزالي شبيه برأي أفلاطون في الشعر. غير أنه من المستبعد أن يكون الغزالي اقتفى أثر أفلاطون) لأن الغزالي يحكمه النسق الديني الذي يشترط الصدق في الشعر والصدق قد يتقاطع مع النشاط التخييلي الذي هو شرط الابداع في الشعر. 
ومما لا شك فيه هو أن إشارة أستاذنا د.سعيد عدنان الى الغزالي ليس افلاطوني الوعي او التأثر وضعت الغزالي تحت الشرط الديني، والسلطة كانت في وقته دينية، وأغلب النقاد العرب وقتذاك دخلوا النقد الأدبي بلباس ديني، لذلك كانت الفلسفة تأتي من الأعلى لا مثل فلسفة ابي العلاء المعري في شعره أو المتأثر به شعرا وسلوكا ابن الشبل البغدادي، فكلاهما له اعتراضاته الفلسفية وأسئلته الفكرية.