محاولات تصفية الشركات العراقيَّة المملوكة للدولة

اقتصادية 2021/06/15
...

 فارس آل سلمان * 
 
تحاول الحكومة خفض الإنفاق في القطاع العام، ومواجهة بطالة 2.5 مليون عراقي، فضلاً عن انضمام 150 ألف خريج جامعي سنوياً لسوق العمل المتخمة أصلا، ليضافوا الى أعداد العاطلين عن العمل.
إنَّ وصول معدل البطالة الوطني إلى 16 بالمئة، دفع الحكومة للتفكير بتحويل هذا العبء على القطاع الخاص. وهنا نتوقف لنسأل: هل القطاع الخاص العراقي الحالي مؤهل لهذه المهمة؟
 
لنحلل الحالة... 
كما أنَّ تفشي الفساد في بعض الإدارات أدى الى عدم تنافسيَّة المنتج وتكبيد بعض الشركات خسائر غير مبررة. كل ذلك أدى الى انخفاض إنتاجيَّة الموظف العراقي لمستويات خطيرة، إذ غرقت مؤسسات الدولة بالبطالة المقنعة.
كما أنَّ انعدام الإنتاجيَّة بسبب عدم توفر مستلزمات الإنتاج وإغراق السوق بسلع موردة أديا أيضاً الى تفاقم خسائر الشركات الحكوميَّة.
فهل يجوز أنْ نلقي اللوم على هذه الشركات؟ ونحن من أهملها وماطل بحل مشكلاتها بأسلوب علمي؟ بل وأسهمنا بدفعها للموت من خلال إهمالنا لها لسنوات طويلة.
التحدي الآخر هو هل يمتلك العراق حالياً قطاعاً خاصاً وطنياً قادراً على تخفيف أعباء الدولة وتحمل المسؤوليَّة التاريخيَّة؟
كان هناك 30 ألف مشروع على الأقل مملوك للقطاع الخاص قبل 2003 ورغم ظروف الحصار صمدت هذه المشاريع. وهي مشاريع مملوكة لعموم أبناء الشعب وليس هناك مبرر لاهمالها وعدم انقاذها وكانت تشغل أعداداً كبيرة من العمالة المحلية. الا أنها توقفت كليا بعد 2003.
توقف هذه المشاريع جاء نتيجة للسياسات الخاطئة، منها تلك التي كانت تتذرع بمحاربة الإرهاب والظرف الأمني في حين كان الجنوب ينعم باستقرار نسبي.
ولكي نشرع بتصفية الشركات الحكومية لا بُدَّ أنْ نمتلك قطاعاً خاصاً وطنياً مؤمناً بمرتكزات الأمن القومي العراقي ويمكن الاعتماد عليه، بحيث يقوم باستيعاب فيالق الخريجين الشباب الجدد الذين ينضمون سنوياً لطالبي فرص العمل والتوظيف، من خلال خلق فرص العمل واستيعاب جزء أو غالبية موظفي القطاع العام ايضا. 
ونعود ونسأل ما هو الضمان أنْ يقوم القطاع الخاص الحالي بذلك؟ وهل هو مؤهل كي نكلفه بهذا الواجب؟.
 تقدر مستويات بطالة الشباب بنحو 36 بالمئة من معدل البطالة الوطني، فهل سيؤمن القطاع الخاص العراقي الحالي الاستثمارات المالية والانتاجية اللازمة 
لاستيعابهم؟ لا نظن ذلك. 
يعدُّ بعض من يرسم سياسة الحكومة الاقتصادية أن الشركات المملوكة للدولة هي الثقب الاسود، الذي يبتلع الانفاق الحكومي كونها تعتمد على المنح والمساعدات الحكومية لتغطية نفقاتها الاساسية بضمنها الرواتب.
أحد الحلول المطروحة هي تصفية شركات الدولة غير المنتجة لتقليل تكاليف التشغيل المتضخمة الناجمة عن الإفراط في التوظيف، ولخلق فرص عمل في القطاعات الإنتاجية. تعود ملكية هذه الشركات إلى 14 وزارة من بينها: وزارة الصناعة والمعادن، ووزارة الكهرباء، ووزارة النفط، ووزارة المالية. وكان الإنفاق على الرواتب والأجور 4.5 مليار دولار لنحو 4.14 مليون موظف دائمي بضمنهم ما يسمون بالفضائيين.
حاولت هيئة المستشارين في عام 2015 إجراء إصلاح شامل يخفض من أعداد الشركات المملوكة للدولة، ويؤسس مراكز تدريب لبناء القدرات، واحالة 25 بالمئة من الموظفين الى التقاعد المبكر بهدف تقليص عدد العاملين بمقدار الربع.
جميل أن نسمع بأنه يمكن تحويل هذه الشركات إلى فرص استثمارية جذابة عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص. لكن هل ستُقَيم بقيمتها السوقية الحقيقية؟ هل ستحتسب قيمتها السوقية الكامنة؟
أليس من الافضل أنْ نؤهل هذه الشركات عن طريق ابراز حصتها في السوق العراقية، أليس من الواجب استقطاب استثمار اجنبي متخصص حسب نوع وانتاجية كل شركة بهدف تطوير وتحديث خطوط انتاجها وتوفير حاجة السوق المحلية من منتجاتها، فضلا عن نقل التقنيات الحديثة وسر المعرفة وتطوير مهارات وخبرات الكوادر الانتاجية وتوفير فرص عمل، والاهم من ذلك تحقيق الربحية والديمومة لهذه الشركات وضمان تطورها.
تأخرنا كثيرا وعلينا اختصار حلقات كثيرة لمواجهة تحديات المستقبل وتحديات الثورة الصناعية الرابعة و لا يتم ذلك الا بالشفافية والتنافسية وتحقيق مستوى متقدم من درجات الحرية.
إن ايجاد شريك اجنبي كفوء ومتخصص لكل شركة ومنحها مساحة سوقية لمنتجها وحمايته من المستورد، سيكون كفيلا برفع قيمتها السوقية وتحفيز الشركات الاجنبية للدخول في عمليات المشاركة مع هذه الشركات والنهوض بها. ذلك سيؤدي حتما لارتفاع قيمة اصولها وحيز ازاحتها في السوق، وبالتالي رفع قيمة اسهمها، عندها سيصبح بامكان الدولة أن تقلص من حصتها في الشركات عن طريق بيع اسهمها للمواطنين، وتحويلها الى شركات مساهمة مختلطة كمرحلة اولى. 
إن استثمار المواطن في هذه الشركات سيكون استثمارا آمنا، فضلا عن كونه سيسهم بدعم المنتوج الوطني وتعزيز الحرص على حماية الاملاك العامة والخاصة ويعزز الانتماء والولاء للوطن.
أما ترك باب الاستيراد العشوائي مفتوحاً بهذا الشكل، فلن يؤدي بالعراق إلا أنْ يكون سوقاً لمن هبَّ ودب، وعنصر كبح لأي صناعة وطنية مملوكة للقطاع العام، المختلط، الخاص.
وخلال ذلك يتم خلق بيئة صحية لنمو قطاع خاص عراقي وطني كفوء مؤمن بالعراق، ولا يمتلك ولاءات متعددة، فضلاً عن تمكينه بحزمة تشريعات تنظم العملية الإنتاجيَّة وتضمن حقوق العاملين بعدالة وتوازن مع رب العمل.
إنَّ المهمة الملقاة على عاتق رئيس الوزراء ليست بالسهلة، فهي تتطلب إعادة تأهيل المنظومة السياسية بما يحقق أعلى درجات الجدوى الاقتصادية للبلد. والتحدي الآخر الذي يواجه رئيس الوزراء هو إدارة الملف الاقتصادي بحرفية عالية لمواجهة التحديات العالميَّة والاقليميَّة والمحليَّة.
لذا اقترح عليه أنْ ينفتح على قوى الشعب لأنه المالك الحقيقي للثروة والسلطة، وصاحب الحق الحقيقي بتقرير المصير، حيث الكثير من الخبراء والاقتصاديين والمخططين الستراتيجيين الذين يريدون بناء العراق باستقلالية، من دون أنْ يكونوا تحت مظلة أي جهة وبعيدين عن الاستقطاب.
إنَّ النجاح في الملف الاقتصادي سيأخذنا الى بر الأمان الى حيث ضوء الشمس، وهناك سيتم تطوير المنظومة السياسية والخروج ببرنامج سياسي مبني على قاسم مشترك مقدس، هو الولاء 
للوطن.
إنَّ عمل الأحزاب الحاكمة يتطلب منها النظر لتحويل الحكومة من حكومة رواتب وامتيازات الى حكومة تنمية ديناميكيَّة تضع مصلحة العامة نصب أعينها. هذا سيولد ثقة في الداخل والخارج وإنتاج مناخ استثماري، يحقق تنمية مستدامة توفر بدورها ملايين فرص العمل الرصينة والحقيقية، وفي حال تمكنا من سد حاجة السوق المحلية ربما سنبحث عن أسواق تصديرية.
ختاماً نعتقد أنَّ قرار تصفية الشركات الحكوميَّة لا يمت بصلة للإجراءات والحلول الستراتيجية، بل يبدد المال العام ويعرقل اي امكانية مستقبلية للتصحيح 
والتقويم.
يجب أنْ نعي جميعاً أنَّ العراق لا بُدَّ أنْ ينهض ويعود الى وضعه الطبيعي كعامل توازن واستقرار في مجاله الحيوي ومحيطه، وإبعاده عن تعقيد أكثر للمشكلات الاقتصاديَّة.
 
* رئيس منتدى بغداد الاقتصادي