الساديَّة والمازوخيَّة في الرواية الفرنسيَّة

ثقافة 2021/06/15
...

 فاطمة بومدين
عندما نتحدث عن السادية يجب أن نذكر في المقام الأول المركيز دوساد صاحب الروايات الفلسفية السادية الشديدة التحرر والبعيدة كل البعد عن القانون والطبيعة الأخلاقية.  كتب «دوناتا ألفنســو فرانسوا ماركيز دوساد» معظم رواياته خلف قضبان السجن وأبدع في التعبير عن أعماق النفس البشرية بما فيها من غرائز بهيمية واِستهجان، وكيف أن الهدف الحقيقي للإنسان في ذلك الوقت كان يتمثل في المتعة المطلقة التي تتجاوز التقاليد والأعراف والأعراق والأخلاقيات بل وحتى الدين والقانون؟. 
 
إِنّ العنف والألم والدموية.. وغيرها من المصطلحات المؤذية هي مجرد مصطلحات مرادفة في اللغة لمصطلح السَّادية، التي يمكننا أن نختصرها في جملة واحدة وهي الرغبة الشديدة في ممارسة العنف على الطرف الآخر، فنجد أن «الماركيز دوساد» فــي روايته Justine التي جاءت تحت عنوان Les Malheurs De LA Vertu في طبعتها الأولى سنة 1787 وتحت عنوان “نوائب الفضيلة” في طبعتها المترجمة للعربية يتحدث عن فتاتين جميلتين من أسرة متماسكة، لكن بعد وفاة أهلهم صارتا في الشوارع «جولييت» اِختارت حياة الرعادات والمومسات بينما اختارت “جوستين” حياة الفضيلة والعفة، فهربت من بيت أختها خوفا على نفسها وطمعا في وجود ملاذٍ أكثر أماناً، لكنها واجهت وقائع فظيعة، إذ إنها أنقذت رجلا من عصابة لكن بعدما هرب سرعان ما حاول اغتصابها، ورجل آخر خطفها وجعلها خادمة في بيته وأجبرها على مساعدته في تعذيب زوجته ولأنها رفضت ذلك وساندت الزوجة جرّها الى حبل المشنقة ولولا موت زوجته المفاجئ لما فلتت من يديه، سارت متجهة نحو الدير ظنا منها أنه المكان الأكثر أمانا في العالم لتجد نفسها تخوض غمار تجارب أسوأ من سابقتها، الكهنة يمارسون العنف الجسدي على الفتيات مع الضرب والجلد وحتى القتل، عاشت هناك ستة أشهر ثم هربت لتواجه بعد هذا الهروب خطة الكاهن ومن سبقه للإطاحة بها، وقعت في حبال شركهم فسجنت ثم أدينت فحكم عليها بالإعدام، وفي طريقهم لتنفيذ الحكم تعطلت العربة وعند نزول “جوستين” رأتها سيدة جميلة شديدة الثراء واسعة النفوذ فنادت عليها ليتضح في الأخير أن هذه السيدة هي «جـــولـــييت» أختها أنقذتها من غياهب السجن والظلم وسارت بها نحو بيتها هناك حيث الأمان الذي كانت تبحث عنه، ليصدمنا الكاتب بالنهاية المأسوية التي رسمها «لجوستين» توفيت هذه المسكينة بصعقة برق وكأن الطبيعة عاقبتها على عفتها وفضيلتها بموت كهذا. 
لم تنفذ العدالة على يد البشر لكن الطبيعة كانت كفيلة بذلك، لقد صور لنا الكاتب الطبيعة على أنها الشر بذاته، تماما كما هي طبيعة بعض البشر، وأنّ الإنسان العفيف يعاقب على عفته وتميزه عن البقية مثلما يحدث أمام أعيننا اليوم من يمشي على رأسه يستهزئ بمن يمشي على قدميه.
وكتب «الماركيز دوساد» أيضا روايته الشهيرة «les 120 Journees De sodome »
والتي عرفت سابقا بعنوان: L’ecole du libertinage
داخل سجن الباستيل عام 1785 واستغرق في كتابتها 37 يوما فقط، لكنها لم تنشر إِلا سنة 1904 وصنفت كأكثر رواية خلاعية مازوخية عرفها التاريخ تحدث فيها «دوناتا دوساد» عن الشهوة الحيوانية، إذ اختار أربعة من الشخصيات لتلعب دور المتفرج والمحرك الأساسي للرواية، وعمل جاهدا على تجسيد أفكاره حول رجال الدين والقانون والأثرياء وتصويرهم بأبشع الصور، أشخاص أثرياء خليعون تتراوح أعمارهم ما بين (45 - 60 عاما) «دوق بلانجيس، الأسقف أخ الدوق بلانجيس، القاضي والمصرفي دورسيه» قلوبهم من حجر يجرون الأطفال، المراهقات، الرجال والنساء الحسناوات الى قلعة سان مارتن دي بيلفيل التي تتطابق من خلال وصفها مع قلعة الماركيز دوساد نفسها ويمارسون عليهم العنف الجنسي.
في الرواية اعتمد الكاتب على إطار زمني محدود بين خمسة أشهر ابتداءً من شهر نوفمبر شهر الأهواء البسيطة ثم شهر ديسمبر شهر الأهواء المعقدة يليه مباشرة جانفي وفيفري الأشهر المخصصة للأهواء الإجرامية والقاتلة ِالى غاية شهر مارس شهر التبرئة وفيه يتم التخلص من الضحايا الباقين على قيد الحياة.
الرواية سوداوية بامتياز تقع أحداثها في العصور الوسطى ربما مع نهاية عهد لويس الخامس عشر بين الأشجار والغابات، عاليا في الجبال حيث يخال الإنسان أن الفاصل بينه وبين السماء ليس سوى ثلاثة أمتار يتردد صوت الضحايا، لكن لا أحد يسمع وكأنهم منعزلون عن العالم ككل. هكذا هي السادية ألم واحد يشترك فيه الجميع لكن لا يمكن للجميع أن يسمع.