الاستنساخ

ثقافة 2021/06/16
...

  أمجد ياسين
 
في الثقافة والادب هناك من يستنسخ تجارب آخرين من دون ان يضيف لها شيئا، وينسبها لنفسه من دون خجل، فسرقة جهود الادباء ايسر عنده من كتابة 400 كلمة مثلا، ليبني اسماً زائفاً على حساب اسماء اخرى. 
في الفن ايضا، تسرق افكار ومخطوطات لبرامج ومسلسلات، ما دام عود اصحابها طريا، او ممن لايحبون الضجيج الاعلامي كما يفعل السراق.
ظاهرة الاستنساخ هذه لم تقف عند حد، فقد انتشرت دكاكينها في كل زاوية ومحفل، هي ثقافة العاجزين الذين شوهوا الاصل ليسترزقوا منه. جميل ان نتمثل شخصيات ادبية او وطنية.. ولكن علينا ان نقدم شيئا خاصا بنا، اي نبني فوق ما بنوا ونؤسس لجديد انطلاقا مما أسسوا، هكذا هي الحياة، مسيرة تراكمية لا تتوقف شئنا ام ابينا، فبذور كل ما نفعل قد نثرت في ارض بكر، بعضنا رآها مبكراً وآخرون ينتظرون لحظة الخلق والتشكيل ليقولوا شيئا او يلونوا جدارا.
في شارع المتنبي، تنافس ثقافة الاستنساخ كل شيء، المستنسخون في ما بينهم يتنافسون، فالصيد وفير ومباح من دون رقيب او وازع اخلاقي، لا يهمهم كم كلف المطبوع صاحبه الاصلي، فما ان يطأ الكتاب السوق حتى تنهشه انياب الاستنساخ، فيضيع حق المؤلف والمترجم والدار، ويطبع الكتاب طباعة رديئة ويباع بسعر زهيد، قد يظن البعض ان هذا الامر يساعد في انتشار الثقافة، العملية لا ترى هكذا، واذا كان هناك ما يبررها في زمن النظام المباد بسبب الحصار وقلة ما يصل الينا ولانشغال المواطن بقوت يومه. ترى ما الذي يستدعي استمرارها اليوم؟ هي باختصار ثقافة من يريد ان يربح على حساب الاخرين، ثقافة من فشل في ان يرى او يقول او يلون شيئا، ثقافة (البسطية) التي تسحب على الكثير من مفاصل الدولة العراقية ومسؤوليها الذين لايفكرون الا بيومهم وليذهب الغد الى الجحيم، لذلك غاب عنا شيء اسمه تخطيط وبناء تراكمي متصاعد.
في الغرب، هناك استنساخ، ولكن ليس بمفهومنا هذا، الكتب لا تستنسخ فالحقوق محفوظة يدافع عنها القانون والدستور والدولة، وحتى ما يستنسخ فهو محط انظار الدولة واجهزتها، العديد من المتاحف تستنسخ لوحات كبار الفنانين العالمين وتبيعها داخل المتحف، نسخ ورقية راقية مختومة، لا محل لسرقة جهود الاخرين، التي تؤدي الى عزوف اغلب دور النشر العربية عن اعطاء وكالات لدور نشر عراقية فيغيب الكتاب العربي والاجنبي عن قرائنا طيلة العام الا عند مشاركة هذه الدور في المعارض التي تقام في العراق. وينسحب هذا التأثير ليغلق الكثير من المكتبات ودور النشر العراقية الرسمية والمحترمة التي لا تمتهن ثقافة الاستنساخ التي تأتي من خارج الحدود.
ان الثقافة نقيض السرقة، وعدم فرض القانون اشاعة للفوضى، وغض النظر عن الفساد مشاركة فيه.. وترك الامور على الغارب سيحول كل شيء الى نسخ، بدءاً من المسؤول المستنسخ والاتباع الذي يستنسخون عقل ورؤية المسؤول فيرددون ما يقول، والطالب الذي يستنسخ كلام استاذه، والصحفي الذي يستنسخ جهود آخرين، والمثقف المستنسخ من ظلال مثقفين آخرين ويدعي الاستاذية، والنظام الذي يستنسخ انظمة دكتاتورية من دون وعي.. حتى  الصين البلد الذي يستنسخُ كل شيء يحافظ وبقوة على حقوق الابداع والاختراع لديه. فما بالنا؟.