البصرة بخط اليد

ثقافة 2021/06/16
...

 
د. أحمد الزبيدي 
 
إذا كان  إيقاع  الطَبْل هو من (يخربط) مشية البصراويين (والشاهد سعد اليابس)، فإنها - أعني البصرة - هي من (ضبطت) إيقاع الشعر .. والشاهد الفراهيدي البصراوي.. وهي نفسها مَنْ تمرّدت عليه وكسرت قوانينه والشاهد هو السياب البصراوي .. وإذا كان الجاحظ هو رائد المفارقة الساخرة في النثر العربي فإن حفيده البصراوي (جاحظ البصرة) هو رائد المفارقة الساخرة في الشعر العراقي الحديث، والشاهد هذه المرة كاظم الحجاج.. 
لا تسمع في شعره صهيل خيول ولا رنين سيوف؛  فقد أفلس الطائفيون من خبزه الشعري، بل تسمع كيف (يرنّ معدن الضحكات على الأرصفة من ثقوب الفقراء) وتسمع عتبه على 
زها حديد؛ لأنها رحلت (ولم تصمم لنا وطنًا سياجه بعلوّ النخيل) .. وهو المتمرد الذي يرفض (أن يستبدل زوجته السمراء بالحوريات)، والبروليتاري المتمرد على (العمل بأجور يومية) في الآخرة!.. والصوفي الذي يدعو ربه أن (يعيد لنا هذا الكون المهزوم) والسهل الممتنع حدّ (العريف المتقاعد حطاب) والفيلسوف المكتشف أن (الثأر بطيء النسيان) والفقير الذي (أجل أكل التفاح إلى الجنة) .. 
هذا الكائن الشعري الرائد كان ضيفًا على معرض بغداد الدولي للكتاب، بدعوة من وزارة الثقافة، وما أن دخل باحة المعرض حتى هرع الناس مبتسمين فرحين بقدومه، مدوّنين اللقاء بتوقيع منه أو موثقينه بصورة تكنولوجية.. والناس تسأل عن موعد (الإفطار الشعري) بعد صيام طويل؛ بسبب جائحة كورونا.. ذهبنا إلى القاعة وكنا - الحجاج وأنا - محظوظين بحصولنا على كرسيين فارغين فقط  ولكنهما متباعدان.. جاء وزير الثقافة الدكتور حسن ناظم ومدير عام دار الشؤون الثقافية الدكتور عارف الساعدي فجلسا قُدّام المنصة فاستل الجاحظ البصراوي من حقيبته الصغيرة دفترا صغيرا وأخذ يتلو قصائده من (مخطوطه) الشعري فوقعت عيني على همسة خاطفة من فم السيد الوزير بأذن السيد المدير!! وبعد أن انتهت مراسيم الاحتفاء تعجّلت السؤال لعارف الساعدي عن (الهمسات) الخفية... فقال: الدكتور حسن ناظم أوصاني بتلاقف الكنز المخطوط لتتولى دار الشؤون الثقافية طباعته!.. 
ترى لماذا هذه كله يحدث للبصرة؟، يجيبنا كاظم الحجاج: (البصرة هي من تطفئ الشعر حين تنام وتؤرق مصباحها للضيوف).. فشكرًا لمَنْ (يوقظ) الرسم
 بالكلمات.