مهرجان المسرح الشبابي في العراق تجارب فتيَّة ورؤى متقدمة

ثقافة 2021/06/17
...

  حيدر عبد الله الشطري
 
على مدى خمسة ايام قدمت عشرة عروض مسرحية مثلت اغلب فرق المحافظات العراقية ضمن مهرجان المسرح الشبابي في العراق الذي نظمته منظمة عيون في محافظة النجف بالتعاون مع كلية الفنون الجميلة/ بابل وبرعاية نقابة الفنانين العراقيين/ المركز العام.
وقد تباين مستوى العروض من الناحية الفكرية والتناول الجمالي والمعالجات الإخراجية للعروض المقدمة، وقد تناولت أغلب هذه العروض افكارا تفرض نفسها على الكتاب المسرحيين الشباب في العراق والتي تلامس طموحاتهم وآمالهم وتصور تطلعاتهم نحو تحقيق أحلامهم في بناء وطن ينعمون به بالأمن والأمان.
فكانت اغلب الموضوعات التي عالجتها هذه العروض المسرحية هي موضوعات الوطن الجريح وشخصية الشاب المقهور والمهزوم والذي يقف بمواجهة تحديات كبيرة.
فكانت خطابات هذه العروض تؤسس لمنظومة فكرية احتجاجية رافضة تبحث في ملامح الثورة والتغيير، انه خطاب شبابي يمثل متبنيات الشباب المسرحي العراقي ويشتغل على الغور في دوامة التيه والضياع الذي يواجهه الشاب العراقي ويرتكز على طروحات ومعالجات تحاول ان تكرس معنى الاحتجاج وتقدمه بصورٍ شتى، فكانت شخصيات (المسجون، المتظاهر، الشهيد، الحبيب، الابن، الطالب). 
هي الشخصيات التي تناولتها نصوص عروض المهرجان وقد كانت اغلبها لمؤلفين شباب، وهم الذين كانوا خير من يعبر عن هذه الهموم والافكار وتجسيدها بطرق واساليب فنية معبرة، فكانت موضوعات (القهر، الانهزام، الظلم، السجن، الشهادة، اليتم) هي التي عالجتها عروض هذا المهرجان بأساليب حداثوية تكرس المعنى وتؤسس مساحة واسعة للدلالة.
إنها إذن طروحات شبابية بامتياز ومحاولات لرسم معالم خطابات اشهارية حرصوا على ان تكون بهذا الشكل والمستوى والمضمون، انها خطابات شبابية كونية اولا، ومن ثم فهي رسائل رفضٍ واحتجاج من الشباب العراقيين بوجه كل القوى المتسلطة التي تحاول وأد احلامهم وتطلعاتهم.
فكانت كل هذه الأطروحات بحاجة الى اساليب تقديمية حديثة ومعالجات فنية بمستوى الحدث؛ لذلك جاءت القراءات المشهدية لهذه الخطابات مترجمة لها بصور وتشكيلات فنية (حركية، سينوغرافية) باهرة اشتغلت على توليد المعاني الكبيرة والتأسيس لمساحات شاسعة للتأويل فهي خطابات فنية تتجسد تمظهراتها بعدة اشكال ومعالجات اخراجية تبحث في اظهار المضمر من المعاني والرسائل التي تحاول العروض ان تبثها.
وقد تعددت الاساليب الاخراجية والمدارس الفنية التي اعتمد عليها المخرجون في تقديم عروضهم محاولين بذلك التأكيد على خصوصية خطابهم الفني الذي يسعى الى ان يحقق مستوى عاليا من التلقي يستند الى النهل من الاساليب الحداثوية في بناء المشهد المسرحي بتقنيات تعمل على التأسيس الجمالي لمجمل العروض.
استند اغلب العروض المقدمة في هذا المهرجان الى الاشتغال في الاساليب الادائية المبتكرة، باعتبار ان الممثل هو الاساس البنائي والمحور الرئيس في التقديم المسرحي، وان الممثل هو المرتكز الذي تتعدد من خلاله الاساليب والتنويعات والمعالجات الفنية.
ولم يكن الاعتماد على التقنيات المسرحية الاخرى ومكملات العرض المسرحي بمستوى طموحات المخرجين والافكار التي يسعون الى طرحها؛ وذلك لضعف واضح في توفرها على قاعة العرض التي قدمت عليها اغلب عروض المهرجان.
وهكذا استطاع هذا المهرجان ان يؤكد لخطاب شبابي جمالي بكل تجلياته وان يكون خير ممثل لهم في تبني افكارهم، انه مهرجان يسعى لاستيعاب تجاربهم الفتية ورؤاهم المتقدمة، وقد تحقق ذلك بنتائج مبهرة كانت دافعا مهما لمواصلة الشباب لحراكهم المسرحي في تجارب أخرى.