رحيل الشاعرة لميعة عباس عمارة

ثقافة 2021/06/19
...

 بغداد: الصباح
 
توفيت الشاعرة العراقيَّة المعروفة لميعة عباس عمارة الجمعة، عن عمر ناهز 92 عاماً بعد صراع مع المرض لم يمهلها طويلا.
فقد نعى رئيس الجمهورية برهم صالح، رحيل الشاعرة لميعة عباس عمارة. وقال: “نودع الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة في منفاها ونودع معها أكثر من خمسة عقود من صناعة الجمال”.
وأضاف أن “الراحلة زرعت في ذاكرتنا قصائد وابداعاً ادبياً ومواقف وطنية حيث شكلت عمارة علامة فارقة في الثقافة العراقية في العامية والفصحى”.
كما أكد وزير الثقافة والسياحة والآثار حسن ناظم، أنَّ الشاعرة لميعة عباس عمارة شكلت صوتاً متفرّداً مع الأصوات الشعرية. ونعى ناظم رحيل الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة قائلاً: “ببالغ الحزن والأسى ننعى إلى الأوساط الأدبية والثقافية رحيل الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة التي تميزت بشاعريتها الشفافة، وعاطفتها الجياشة وحبها العظيم لوطنها وناسها، رغم ابتعادها القسري الطويل عن الوطن”.
وأضاف، “لقد شكلت صوتاً متفرّداً مع الأصوات الشعرية التي تبنّت موجة الحداثة في المشهد الشعري العراقي”.
كما نعى شعراء واقرباء الشاعرة على منصات التواصل الاجتماعي رحيلها. وذكر مجلس إدارة فدرالية البيت المندائي في هولندا في بيان، أنه «بقلوب مؤمنة خاشعة لإرادة الحي العظيم تلقينا نبأ رحيل لميعة العراق الى عالم الأنوار بعد سفر حياة مشرف سجلت فيه للعراق من خلال نبوغها الشعري حبا لا يضاهيه حب ورسمت للمرأة صفاتا وخصالا متميزة”.
واضاف البيان، «هنيئا لك يا لميعة ذلك السفر اللامع وهنيئا لنا بك أيتها المندائية الأصيلة وإن أفل نجمك في هذا العالم فإنه سيلمع من جديد في عالم كله نور ليس فيه زيف او بطلان وسنبقى نتذكر مكانتك الادبية الراقية وأشعارك الجميلة ما حيينا”.
ولميعة عباس عمارة شاعرة عراقية محدثة. تعد محطة مهمة من محطات الشعر في العراق ولدت الشاعرة عام 1929 لأسرة عريقة ومشهورة في بغداد حيث عمها صائغ الفضة المعروف زهرون عمارة وكانت ديانة الأسرة صابئية مندائية عراقية في منطقة الكريمات وهي منطقة تقع في لب المنطقة القديمة من بغداد والمحصورة بين جسر الاحرار والسفارة البريطانية على ضفة نهر دجلة في جانب الكرخ. وجاء لقبها عمارة من مدينة العمارة حيث ولد والدها. 
وحصلت على إجازة دار المعلمين العالية عام 1950 وعينت مدرسة في دار المعلمات.. وهي ابنة خالة الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد التي كتب عنها في مذكراته الكثير حيث كانت ذات شخصية قوية ونفس أبية. 
أمضت لميعة زمن طفولتها مريضة، وكان لاغتراب والدها عن العراق أثر عمیق في نفس الابنة الشاعرة، خاصة أنها التقته لشهرين فقط، ثم توفي، لكنها بقيت وفيةً لذكراه في شعرها. لقد بدأت لميعة) تقول الشعر في سن مبكرة، فكان عمرها 15 عاما، عندما أرسلت بواكيرها الشعرية إلی إيليا أبي ماضي الذي تربطه بوالدها صلة صداقة واغتراب في بلاد المهجر، فأعجب بشعرها وصار يشجعها وسماها الشاعرة الصغيرة. 
 بدأت بالشعر الهجائي الساخر، وبقيت روحها الساخرة ظاهرة في شعرها، اقامت سنين عديدة في بیروت قبل أن تهاجر.  
كانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد (1963 – 1975) كذلك عضوة الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد. وهي أيضا نائب الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس (1973 - 1975) ومدير الثقافة والفنون/ الجامعة التكنولوجية/ بغداد وفي عام 1974 منحت درجة فارس من دولة لبنان. للشاعرة لميعة عباس عمارة خلال مسيرتها الإبداعية الطويلة علاقات جميلة مع أسماء فنية وإبداعية كبيرة، فكانت تتحدث عن علاقتها بالرحابنة وبفيروز، والفنان الراحل بليغ حمدي والفنانة الراحلة وردة الجزائرية والفنان ناظم الغزالي، والفنانة سليمة مراد، والفنانة عفيفة اسكندر. 
درست في دار المعلمين العالية – كلية الآداب– وقد صادف أن اجتمع عدد من الشعراء في تلك السنوات في ذلك المعهد، السياب والبياتي والعيسى وعبد الرزاق عبد الواحد وغيرهم، وكان التنافس الفني بينهم شديداً، تمخض عن ولادة الشعر الحر. حين كرمتها الحكومة اللبنانية بوسام الأرز تقديراً لمكانتها الادبية لم تتسلم الوسام (لان الحرب الأهلية قائمة) وكتبت تقول: (على أي صدر أحط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام).  
كتبت الشعر الفصيح فأجادت فيه كما كتبت الشعر العامي وأجادته كذلك، أحبت الشاعرة لغتها العربية وتخصصت بها ومارست تدريسها فتعصبت لها أكثر من دون أن تتنكر للهجتها الدارجة فوجدت نفسها في الاثنين معاً.. إن لميعة ترى في اللغة العربية الفصيحة وسيلتها للتواصل مع الآخرين الأوسع، لكنها تجد في لهجتها العراقية العامية ما يقربها من جمهورها المحلي الذي استعذب قصائدها فتحول بعضها إلى أغنيات يرددها الناس.  أما عن الشاعر الكبير الجواهري فقد قالت لميعة عباس عمارة: أنا فخورة لأني عشت في زمن الشاعر العظيم محمد مهدي الجواهري، وكنت سعيدة، لأني كنت أتنفس الهواء الذي كان يتنفسه الجواهري في ذات الغرفة التي كنا نجلس فيها معه. 
وتقول عنه أيضا كان الجواهري رائعاً في كل شيء، سواء في شعره، أو في نثره، في علاقته بالأدباء، أو بالناس البسطاء، فضلاً عن روعته المعروفة في مواقفه الوطنية والاجتماعية والأدبية. نعم لقد كان الجواهري رائعاً حتى في زعله، وغضبه. 
كما تحدثت لميعة عمارة عن الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي الذي كان يدرس معها في الصف نفسه، إذ وصفته بالشاعر الغزير، وقالت إنه “يكتب ثلاث قصائد في اليوم الواحد”!!
وفي مقالة بعنوان (لميعة عباس عمارة.. وجه آخر) تقول الروائية هدية حسين: لميعة عباس عمارة ليست شاعرة مثل كثير من الشاعرات، وليست مدرّسة تتقيد بمنهاج معدٍّ سلفاً قد لا يرضي طموحنا ولا يلبي رغباتنا، إنها المرأة التي فتحت عيوننا على حياة أوسع من صفحات الكتب، وجعلتنا نعشق الشعر ونقرؤه بإحساس مختلف، إحساس من فتح قلبه للحياة وتأمل سرّ جمالها.
أما في مقالة بعنوان (لميعة عباس عمارة: خصوصية الشعر والحياة) فتقول سعدية مفرح: لقد دوخت هذه الشاعرة الجميلة بأنوثتها الطاغية وحضورها العجيب وشعريتها الصاخبة ومناكفاتها الجريئة وتعليقاتها اللاذعة أغلب، إن لم يكن جميع، طلبة كلية المعلمين في الأربعينيات البغدادية والذين أخذ الشعراء منهم على عاتقهم تغيير الذائقة العربية الموروثة على صعيد الشعر بموسيقاه الكلاسيكية نحو قصيدة جديدة كان من المغريات بها في أجواء عربية مخنوقة بالاستعمار وتبعاته داخلياً وخارجياً، إنهم أطلقوا عليها اسم القصيدة الحرة.. لكن لا غنجها الأنثوي الشهير ولا النظرات الذكورية المعجبة بها منعت لميعة عباس عمارة من أن تختار لنفسها أن تكون شاعرة لا مجرد ملهمة شاعر، وأن تنتج القصيدة بدلاً من أن تكون مجرد موضوع لها، بل والأكثر من ذلك أن تصر على خيارها الخاص لشكل القصيدة التقليدي والذي رأته وحده يعبِّر عن رؤيتها الشعرية بدلاً من أن تقلد زملاءها الذين انداحوا في دوائر القصيدة الجديدة رغم علاقتها الخاصة بأشهر رواد تلك القصيدة الجديدة. 
أصدرت الشاعرة مجموعة من الدواوين الشعرية، منها: الزاوية الخالي (1960)، وعودة الربيع (1963)، وأغاني عشتار (1969)، ويسمونه الحب (1972)، ولو أنبأني العراف (1980)، والبعد الأخير (1988).