تساؤلات في ذكرى رحيل نازك الملائكة

ثقافة 2021/06/20
...

 د. نصير جابر   
 
يذكرُ الأكاديمي اللامع والناقد العراقي المعروف (د.عبد الرضا علي)  أنه في آخر رسالة وصلته من الدكتور عبد الهادي محبوبة (1918 - 2001) زوج نازك الملائكة- قبيل رحليه الأبدي أخبره فيها - وكانت هذه الرسالة بتاريخ 15 / 2 /2001 - بمعلومات قيمة عن نتاجها الغزير.. ومنها: (لنازك أعمال خطية بقلمها لم تنشر حتى الآن، ذات أهمية بالنسبة للدارسين، من أهمها: يومياتها في 63 دفتراً بالقطع المتوسط، وشعر في دفترين لم تنشره بدعوى أنهُ من شعر الصبا والمناسبات. ثم لقاءات إذاعية وصحفية في الكويت ودمشق ومصر وبيروت وبغداد، ومجالس أدبية مع مشاهير الأدباء الذين التقت بهم في القاهرة وبرنستن. ثم ترجمة حكاية بيتر بان مع وندي، تأليف ج. م. باري بالإنجليزية بناءً على طلب البرّاق في صغرهِ (ابنها الوحيد). 
ولها أيضاً رواية بعنوان "ظلُّ على القمر" في أربعة فصول، وفي 243 صفحة. 
وهذا التنوع المدهش والتراث الغزير والأصيل والانتقال الآمن من الشعر إلى النقد الأدبي ثم إلى القصة والرواية والسيرة الذاتية والترجمة يجعلنا نعيد النظر في ما هو متداول في الأحاديث الثقافية الشفاهية  وبعض المقالات والدراسات التي تتناول سيرتها التي تبدو الآن وكأنها من الشائعات الثقافية الثابتة الراسخة عن صمت نازك الملائكة الطويل وركونها الاختياري للعزلة!!. 
فالحقيقة أنها لم تكن صامتة 
أبدا وأن تأمل سيرتها الطويلة التي امتدت لثمانية عقود صاخبة من عمر الثقافية العربية والعراقية يدعونا إلى إعادة طرح تساؤلات جديدة مشروعة قد تجسّر إجاباتها ما بين الفواصل القلقة والمساحات الفكريّة الرخوة في ثقافتنا، ولعلّ من أهمها ريادة نازك لحركة الشعر الحر التي كانت وماتزال محل نزاع وجدل والتي يمكن أن نراها الآن بشكل أوضح بعد اكتمال فصول القصة تاريخيا، ونقول ربما أنها كانت الأقرب والأكثر فهما للتغيير الحاصل في بنية القصيدة وشكلها فقد انمازت - وهذا ما ستؤكده وقائع لاحقة وأدلة كثيرة - عن بدر شاكر السياب (1926 - 1964)، وعبد الوهاب البياتي (1926 - 1999) بغزارة ثقافتها وجديتها وحرصها الكبير على تثبيت حضورها وسط ثقافة ذكورية قامعة، فقد كان لنشأتها الأسرة في بيت علم وأدب يتعاطى أهله الشعر والفكر والمعرفة أثر فعال في  تمكّنها المبكر من أسس المعرفة والأخذ بنواصي العلوم. هذا التمكّن الحقيقي والبناء الصحيح سنراه  في ما بعد واضحا وجليّا في تنظيراتها الدقيقة وفهمها العميق لحركية الابداع الشعري ودور الشعر خاصة في كتبها النقدية المهمة ومنها: (قضايا الشعر المعاصر وسيكولوجية
الشعر).
ولعل ثمة سؤال آخر يناغم هذا الجدل عن سلالة وأحفاد نازك في الشعرية العراقية المعاصرة.. فمن السهل أن نؤشر أثر السياب مثلا في أسماء كثيرة يمكن أن نقول إنها خرجت من تحت عباءته لما مثلة من ظاهرة شعرية عاصفة صادمة، وكذلك الأمر مع البياتي وعوالمه الشعرية الفريدة ولكن أين هو أثر نازك وبصمتها وصوتها وصداه.. فهل كان شعرها مرحليا صبغ بألوان زمنه فقط ولم يستطع أن يجذب تجارب شابة تحتذيه أم أنها ذات صوت خاص جدا من الصعب مجاراته.
وهل يمكن أن نلوم الغربة الطويلة التي عاشتها بعيدا عن وطنها على غياب صوتها في الحراك الثقافي على الرغم من أن الأثر قد لا يتعلق بالجغرافيا أبدا، ولكنها تبقى أسئلة  تدور في ذكرى نازك  العطرة.. الشاعرة والناقدة والمثقفة الرائدة في أكثر من مجال.