رهانات ثقافيَّة

ثقافة 2021/06/21
...

علي حسن الفواز
 
علينا أن نفهم ما يجري في ميدان السياسة من صراعات، وفي فضاء الثقافة من تحولات واشكاليات، لكي ندرك طبيعة ما يحمله الصراع، والتحول من ظواهر، وما يثيرانه من اسئلة، ولعلاقة كلّ هذا بصناعة الخطابات، وبالواقع، وبالمعطيات التي ينتجها. هذه المقاربة ليست حكمة، ولا موعظة، بقدر ما هي دعوة عقلانية لمعرفة المعطيات، ولضبط الخيارات، مثلما هي رهان على تأهيل هذه الخيارات للاستعمالات المتعددة، فما يجري في حياتنا من صراعات ومن مشكلات، ومن حروب وتهديدات ليست بعيدة عن السياسة وأزماتها، ولا عن الثقافة واسئلتها، وان اهمية توظيف المعرفة والفهم في التعاطي مع هذا الثنائي هو ما يجعلنا أكثر استعدادا للمواجهة، على مستوى توصيف مسؤوليات السياسي، والنظام الاجتماعي، وعلى مستوى تأطير مسؤوليات الثقافي، وربط المعرفي بالواقع، على وفق الحاجة الى علاقة ذلك بالتأهيل، والتنمية، والتعليم والاجتماع، والاجابة عن اسئلة الحداثة التي تجتاحنا من دون موانع أو حصون. فكيف نوظف الثقافة في السياسة؟ وكيف نعيد تأهيل السياسي، لأن يكون ثقافيا وصالحا للعمران بمعناه الخلدوني؟. هذه الأسئلة الصادمة والمفارقة، تستدعي وعيا نقديا لتقعيد ضرورة الفهم، ولبيان أهمية الحاجة اليه، إذ إن غياب وعي الوظائف وسياقات العمل، سيكون سببا في تعطيل ارادة ذلك الفهم، وفي تعويم الفكرة، وتحويل الثقافة الى صناعة ابراج عاجية، وتحويل السياسة الى لعبة في التسلط، ولا أظن أن عاقلا يقبل بهذه الرهانات البائسة، لا سيما ونحن نعيش في لحظة تاريخية صعبة، نحتاج فيها الثقافي لكي نفهم ونعرف، ولكي ندرك خفايا العالم من حولنا، ولكي نواجه تحديات الحداثة والعولمة وكل استحقاقات الانسان المعاصر. كما أننا نحتاج الى السياسي لكي نضبط الأمور، ولكي نحمي انفسنا من شرور "الفلتان" ومن العشوائية، ومن صناع الحروب واللصوص والفاسدين، فالثقافة بوصفها قوة ناعمة لا تحمي أحدا، ولا تمنع لصا او غازيا من التجاوز، لكن السياسة- من دون مهنية- قد تتحول الى عسكرة، والى قوة، ويمكن للسياسي أن يصير جنرالا، وأن يجعل هذا التحول وكأنه وظيفة في صناعة الطغيان والاستبداد. ما يجري في واقعنا العراقي يكشف عن الخلل المريع في هذا التوصيف، فلا الثقافي لديه تاريخ في معرفة استعمالاته، ولا السياسي لديه استعداد للتنازل عن ذاكرته وعن صلاحياته، وهذا ما يرهن الصناعة الثقافية الى العشوائيات، والى لعبة "الارباح الصغيرة" او "الارباح الرمزية" وربما "الاوهام الصغيرة"، مثلما يرهن السياسي وجوده بمظاهر القوة والسطوة، تحت يافطة أنّ الاقوياء هم من يملكون القدرة على الفعل والسيطرة والرقابة والتحوّل، بما فيها اخضاع الثقافي وتهديده لأن يكون جزءا من اللعبة، ليس لأن هذا الثقافي غير مسلح، وعاجز عن المواجهة، بل لأنه لا يملك تاريخا في القوة، ولا مؤسسات حمائية تصون حقوقه وتحميه من الغوائل والمكاره التي تأتي من السياسة أو من غيرها. شرعة الفهم هي العتبة، لكنها تظل عتبة "سائلة" لأن الآخرين يمنعون تصليبها، وتعطيل خيار العبور منها، وتحت يافطة أن الفهم سيخلط الاوراق والصلاحيات، وسيجلب لنا المصائب، والكوارث، وإن اخراج المثقف من المعادلة السياسية والعمرانية والتاريخية سيكون أهون الحلول على جميع الذين امتلكوا- بلا منافسة- التاريخ وترسانة الاسلحة والمنابر والطرق والوقت.